يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات. ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير، فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له أو لأنه معروف الرواية صحيحُ الحديث عن شيخ بعينه ضعيفُها في غيره.
وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس:
طائفة تجد الرجل قد خُرِّج حديثه في «الصحيح» وقد احتج به فيه، فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح! وأصحاب «الصحيح» يكونون قد انتقوا حديثَه، ورووا له ما تابعه فيه الثقاتُ ولم يكن معلولًا، ويتركون من حديثه المعلولَ وما شذَّ فيه وانفرد عن الناس وخالف فيه الثقاتِ، أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه، ولا سيما إذا لم يجدوا ذلك مِن حديثه عند أصحابه المختصِّين به؛ فلهم في هذا نظرٌ واعتبارٌ اختصُّوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وُجِد حديث مثلُ هذا أن يكون صحيحًا، ولهذا كثيرًا ما يعلل البخاري ونظراؤه حديثَ الثقة بأنه لا يتابَع عليه.
والطائفة الثانية: يرون الرجل قد تُكلِّم فيه بسبب حديث رواه وضُعِّف من أجله، فيجعلون هذا سببًا لتضعيف حديثه أين وجدوه، فيضعِّفون من حديثه ما يجزِم أهلُ المعرفة بالحديث بصحته.
وهذا باب قد اشتبه كثيرًا على غير النقاد، والصواب: ما اعتمده أئمة الحديث ونُقّاده من تنقية (١) حديث الرجل وتصحيحه والاحتجاج به في موضع، وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر. وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر، كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين، وسفيان بن حسين في
(١) رسمه غير محرّر في الأصل و (هـ)، والمثبت من الطبعتين.