والبراءُ تارةً قرَّب ولم يحدِّد, فلم يذكر القيامَ والقعودَ, وتارةً استثنى وحدَّد، فاحتاج إلى ذِكْر القيام والقعود.
وقد غلط بعضُهم حيث فهم من استثناء القيام والقعود أنه استثنى القيام من الركوع والقعود بين السجدتين, فإنه كان يُخَفّفهما فلم يكونا قريبًا من بقية الأركان، فإنهما ركنان قصيران. وهذا من سوء الفهم, فإن سياق الحديث يُبْطِله, فإنه قد ذكر هذين الركنين بأعيانهما, فكيف يذكرهما مع بقية الأركان، ويخبر عنهما بأنهما مساويان لها, ثم يستثنيهما منها؟ وهل هذا إلا بمنزلة قول القائل: قام زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدًا وعَمْرًا؟! وقد ثبت تطويل هذين الركنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدَّة أحاديث صحيحة صريحة، أحدها هذا.
وقد استدلَّ البراءُ بن عازب على إصابة أبي عبيدة في تطويله ركن الاعتدال من الركوع بقوله:«كانت صلاةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وركوعُه، وإذا رفعَ رأسه، وسجودُه، وما بين السجدتين قريبًا من السواء». ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفِّف هذين الركنين لأنكر البراءُ صلاةَ أبي عبيدة, ولم يرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يتضمَّن تصويبَه.
ومنها: ما رواه مسلم في «صحيحه»(١) من حديث حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس قال:«ما صليتُ خلفَ أحدٍ أوجزَ صلاةً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمام، كانت صلاةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقاربة, وكانت صلاة أبي بكر متقاربة, فلما كان عمر مدَّ في صلاة الفجر. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: «سمع الله لمن حمده» قامَ حتى نقول: قد أَوْهَم, ثم يسجدُ ويقعُد بين