للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويحصل انتفاع المقرض ضمنًا، فأشبه أخذ السَّفْتَجَة به وإيفاءَه إياه في بلد آخر، من حيث إنه مصلحة لهما جميعًا.

والمنفعة التي تجرّ إلى الربا في القرض، هي التي تخص المقرض كسكنى دار المقترض وركوب دوابه، واستعماله، وقبول (١) هديته؛ فإنه لا مصلحة له في ذلك بخلاف هذه المسائل، فإن المنفعة مشتركة بينهما، وهما متعاونان عليها، فهي من جنس التعاون والمشاركة.

وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن (٢)، فهو كما ثبت عنه في حديث عبد الله بن عمر حيث قال له: إني أبيع الإبل بالبقيع بالدراهم وآخذ الدنانير، وأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم. فقال: «لا بأس إذا أخذتها بسعر يومها وتفرقتما وليس بينكما شيء» (٣)، فجوز ذلك بشرطين:

أحدهما: أن يأخذها بسعر يوم الصرف، لئلا يربح فيها وليستقر ضمانه.

والثاني: أن لا يتفرقا إلا عن تقابض، لأنه شرط في صحة الصرف لئلا يدخله ربا النسيئة.

والنهي عن ربح ما لم يضمن قد أشكل على بعض الفقهاء علّته. وهو من محاسن الشريعة، فإنه لم يتم عليه استيلاء، ولم تنقطع عُلَق البائع عنه، فهو يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه، وإن أقبضه إياه فإنما يقبضه على إغماض وتأسّف على فوت الربح، فنفسه متعلقة به لم ينقطع طمعها منه. وهذا معلوم بالمشاهدة، فمِن كمال الشريعة


(١) في الأصل وط. المعارف: «قبول» بدون واو العطف، والصواب إثباتها.
(٢) وهو الحكم الثالث من الأحكام الأربعة التي اشتمل عليها الحديث.
(٣) سبق تخريجه.