للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ملابِسةً للشيطان لم يَدْر صاحبها أين باتت. وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته لليد سرٌّ يعرفه من عرف أحكام الأرواح, واقتران الشياطين بالمحالِّ التي تُلابسها, فإنّ الشيطان خبيث يناسبه الخبائث, فإذا نام العبد لم يُرَ في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه, فيستوطنه في المبيت.

وأما ملابسته ليده، فلأنها أعمّ الجوارح كسبًا وتصرّفًا ومباشرةً لِمَا يأمر به الشيطان من المعصية, فصاحبها كثير التصرّف والعمل بها, ولهذا سميت: جارحة؛ لأنه يجرح بها, أي يكسب. وهذه العلة لا يعرفها أكثر الفقهاء, وهي كما ترى وضوحًا وبيانًا. وحسبك شهادة النصّ لها بالاعتبار. والمقصود أنه لا دليل لكم في الحديث بوجه ما, والله أعلم.

وقد تبين بهذا جواب المقام الثاني والثالث. فلنرجع إلى الجواب عن تمام الوجوه الخمسة عشر (١) , فنقول:

* وأما تقديمكم للمفهوم من حديث القلتين على القياس الجلي, فمما يخالفكم فيه كثير من الفقهاء والأصوليين, ويقولون: القياس الجلي مقدَّم عليه, وإذا كانوا يقدمون القياس على العموم الذي هو حجة بالاتفاق, فَلَأن يقدّم على المفهوم المختَلَف في الاحتجاج به أولى.

ثم لو سلّمنا تقديم المفهوم على القياس في صورةٍ ما, فتقديم القياس هاهنا متعيّن لقُوَّته, ولتأيُّده بالعمومات, ولسلامته من التناقض اللازم لمن قَدَّم المفهوم, كما سنذكره, ولموافقته لأدلة الشرع الدالّة على عدم التحديد بالقُلّتين. فالمصير إليه أولى لو كان وحده, فكيف بما معه من الأدلة؟


(١) انظر هذه المقامات (ص ٤٩ - ٥٠)، والجواب عنها من (ص ٥٠ فما بعدها).