قال ابن القيم - رحمه الله -: وعند النسائي (١) عن سُراقة: «تمتَّعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وتمتَّعْنا معه, فقلنا: أَلَنا خاصةً أم للأبد؟ قال: بل للأبد». وهو صريح في أنّ العمرةَ التي فسخوا حجَّهم إليها لم تكن مختصةً بهم، وأنها مشروعة للأمة إلى يوم القيامة.
وقول مَن قال: إن المراد به السؤال عن المُتْعة في أشهر الحجّ, لا عن عُمرة الفسخ= باطل من وجوه:
أحدها: أنه لم يقع السؤال عن ذلك, ولا في اللفظ ما يدلُّ عليه, وإنما سأله عن تلك العمرة المعينة, التي أُمِروا بالفسخ إليها, ولهذا أشار إليها بعينها, فقال: «مُتْعتنا هذه» ولم يقل: العمرة في أشهر الحج.
الثاني: أنه لو قُدِّر أن السائل أراد ذلك, فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أطلقَ الجوابَ بأن تلك العمرة مشروعة إلى الأبد, ومعلومٌ أنها مشتملة على وصفين: كونها عمرة, فُسِخ الحجُّ إليها, وكونها في أشهر الحجّ. فلو كان المراد أحد الأمرين, وهو كونها في أشهر الحج, لبينه للسائل، لا سيما إذا كان الفسخُ حرامًا باطلًا, فكيف يُطلِق الجوابَ عما يجوز ويُشرع وما لا يحلّ ولا يصح إطلاقًا واحدًا؟ هذا مما يُنَزَّه عنه آحادُ أُمَّته - صلى الله عليه وسلم - فضلًا عنه - صلى الله عليه وسلم -.
ومعلومٌ أنّ مَن سُئل عن [ق ٥٧] أمر يشتمل على جائز ومحرَّم, وجبَ عليه أن يبين للسائل جائِزَه من حرامِه، ولا يطلقُ الجوازَ والمشروعية عليه إطلاقًا واحدًا.
الثالث: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمر قبل ذلك ثلاثَ عُمَر كلّهن في أشهر
(١) (٢٨٠٧)، وفي «الكبرى» (٣٧٧٥)، والطبراني في «الكبير» (٧/ ١٣٦) من طريق عطاء بن أبي رباح عن سراقة به، قال ابن حجر في «التهذيب»: (٣/ ٤٥٦): وروايته عنه منقطعة.