للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد أشكل هذا على طائفة، وقالوا: قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في تحيّة الموتى: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين» فقدم السلام على المسلَّم عليه، ثم قالوا: وهذا أصح من حديث أبي جُريّ هذا، فالأخذ به أولى.

وهذا ليس بشيء، ولا تعارض بين الحديثين، [فإن] (١) قوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليك السلام تحية الموتى» إخبار عن الواقع مقرونًا بالنهي عنه، وليس إخبارًا عن المشروع، [فإنهم كانوا في] عادة الجاهلية في تحية الأموات يقدمون اسم الميت على الدعاء، كقول قائلهم (٢):

عليك سلامُ الله قيسُ بنَ عاصمٍ ... ورحمتُه ما شاء أن يترحَّما

والسنة في السلام تقديم التحية على المدعو له في الأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم للميت، كما يقال للحي: سلام عليكم، وكما لا يقال في سلام الأحياء: عليكم السلام، فكذلك لا يقال في سلام الأموات.

وكأن الذي تخيّله القوم من الفرق أن المسلِّم على [المرء] لمَّا كان يتوقع الجواب و [أن] يقال له: عليك السلام بدأوا باسم السلام على المدعو له توقعًا لقوله: وعليك السلام. وأما الميت فلما لم يتوقعوا منه ذلك قدّموا المدعو له على الدعاء فقالوا: عليك السلام (٣).


(١) ما بين الحاصرتين هنا وفي المواضع الآتية كلمات لم تتضح لانتشار الحبر بسبب البلل الذي أصاب (هـ)، فالمثبت إكمال مقترح يستقيم به الكلام.
(٢) هو عبدة بن الطَّبيب (من مخضرمي الجاهلية والاسلام) في أبيات يرثي بها الصحابي قيس بن عاصم - رضي الله عنه -. انظر: «حماسة أبي تمّام» (١/ ٣٨٧).
(٣) الكلام السابق كلّه من (هـ)، ولم يذكره المجرّد وإنما قال: إن المؤلف ذكر «كلام المنذري إلى آخره». وليس كذلك، بل إن الكلام السابق متضمّن لبعض ما ذكره المنذري في «المختصر» (المخطوط) مع زيادة وتهذيب من المؤلف.