للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: أخبرني أبو سليمان قال: كنا عند ابن الأعرابي (١) فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله ما معنى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] قال: إنه مستوٍ على عرشه كما أخبر، فقال الرجل: إنما معنى {اسْتَوَى} استولى، فقال له ابن الأعرابي: ما يُدريك؟ العربُ لا تقول: استولى على الشيء فلانٌ حتى يكون له فيه مُضاد، فأيهما غلب قيل: قد استولى عليه، والله تعالى لا مضاد له، فهو على عرشه كما أخبر.

وقال يحيى بن إبراهيم الطُّلَيطِلي (٢) في كتاب «سِيَر الفقهاء»: حدثني عبد الملك بن حبيب، عن عبد الله بن المغيرة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: «كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون الله هو الدهر؛ وكانوا يكرهون قول الرجل: رَغِم أنفي لله، وإنما يرغم أنف الكافر؛ وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي [ق ٢٤٦] خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر؛ وكانوا يكرهون قول الرجل: واللهِ حيث كان، أو: إن الله بكل مكان» (٣)، قال أصبغ: «وهو مستوٍ على عرشه، وبكلّ مكان علمه


(١) أبو سليمان هو داود بن علي الظاهري، كما جاء مصرّحًا في رواية اللالكائي، وابن الأعرابي هو إمام اللغة في زمانه محمد بن زياد ابن الأعرابي (ت ٢٣١).
(٢) هو المعروف بابن مُزَين، من أهل «طُلَيطِلة» بلدة عظيمة بالأندلس، كان حافظًا للموطأ فقيهًا فيه، وله حظ من علم العربية، وله «تفسير الموطأ» وغيره من التآليف الحسان، توفي سنة ٢٥٩. انظر: «ترتيب المدارك» (٤/ ٢٣٨). وقد وصف المؤلفُ كتابَه «سِيَر الفقهاء» في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص ٢٠٢) بأنه «كتاب جليل غزير العلم».
(٣) إسناده ضعيف لضعف عبد الملك بن حبيب القرطبي وعبد الله بن المغيرة. انظر: «لسان الميزان» (٥/ ٢٥٥، ٢٠)، وقد رويت الجملة الأخيرة عند ابن أبي شيبة (١٢٥٣٩) من طريق آخر عن إبراهيم بلفظ: «كان يكره أن يقول: وإني سآتيك واللهِ حيث كان، قال: فإن الله بكل مكان». وعلى هذا يكون ما هنا تصحيفًا، ويؤيّده أن إبراهيم أعقب كل مكروه بذكر علة الكراهة، فتكون الجملة الأخيرة كذلك، وأيضًا فإن ابن مُزَين أعقبه بذكر قول شيخه أصبغ بن الفَرَج (ت ٢٢٥) لتأويل كلام إبراهيم بأن معنى كونه في كل مكان: علمُه وإحاطتُه. والله أعلم.