للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ونظيره قوله: «ليس الواصلُ بالمكافئ ولكنّه الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصلها» (١)، وإن كان هذا ألطف من الذي قبله.

وقيل في معنى النهي وجه آخر، وهو: قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس التي يلذ لها سماعه عن هذه الشجرة التي تُتّخذ منها أم الخبائث، فيسلُبها الاسم الذي يدعو النفوس إليها، ولا سيما فإن العرب قد تكون سمَّتها كرْمًا لأن الخمر المتخذةَ منها تحث على الكرَم وبذل المال، فلما حرّمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها، وهو «الكَرْم» كما نفى اسم المدح عنها، وهو «الدواء»، فقال: «إنها داء، وليست بدواء» (٢). ومَن عرف سرّ تأثير الأسماء في مسمّياتها نُفرةً وميلًا عرف هذا، فسلبها النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الاسم الحسن، وأعطاه من هو أحق به منها، وهو قلب المؤمن.

ويؤكد المعنى الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبّه المسلم بالنخلة (٣) لما فيها من المنافع والفوائد، حتى إنها كلَّها منفعة، لا يذهب منها شيء بلا منفعة حتى شوكها، ولا يسقط عنها لباسُها وزينتها كما لا يسقط عن المسلم زينته، فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها، وسَعَفها للسقوف وغيرها، وخُوصها للحُصُر والمكاتل والآنية وغيرها، ومَسَدُها للحِبال وآلات الشد والحلّ وغيرها، وثمرها يؤكل رطبا ويابسًا، ويُتخذ قوتًا وأُدمًا، وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر تقرّبًا إلى الله وطهرةً للصائم، ويتخذ منه ما يتخذ


(١) أخرجه البخاري (٥٩٩١).
(٢) أخرجه أحمد (١٨٨٥٩) ــ واللفظ له ــ، ومسلم (١٩٨٤) من حديث وائل بن حُجْر - رضي الله عنه -.
(٣) في حديث ابن عمر المتفق عليه. البخاري (٦١، ٢٢٠٩، ٦١٢٢) ومسلم (٢٨١١).