للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي «مسند أحمد» و «سنن النسائي» (١) عن عبد الله بن عمر قال: «إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليأمرنا بالتخفيف, وإن كان ليؤمّنا بالصافات». وهذا يدلُّ على أن الذي أَمَر به هو الذي فعَلَه, فإنه - صلى الله عليه وسلم - أمرَ أصحابَه أن يصلوا مثلَ صلاته, ولهذا صلى على المنبر وقال: «إنما فعلت هذا لتأتمُّوا بي ولتعلموا صلاتي» (٢). وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (٣).

وذلك أنه ما من فعل في الغالب إلا ويسمَّى خفيفًا بالنسبة إلى ما هو أطول منه، وطويلًا بالنسبة إلى ما هو أخفّ منه, فلا يمكن تحديد التخفيف المأمور به في الصلاة باللغة ولا بالعُرْف, لأنه ليس له عادة في العرف، كالقبض والحِرز والإحياء والاصطياد, حتى يُرْجَع فيه إليه, بل هو من العبادات التي يُرْجَع في صفاتها ومقاديرها إلى الشارع, كما يُرْجَع إليه في أصلها, ولو جاز الرجوع فيه إلى العرف لاختلفت الصلاةُ الشرعية اختلافًا متباينًا لا ينضبط, ولكان لكلِّ أهل عصر ومصر ــ بل لأهل الدرب والسِّكّة, وكلّ محلّ وكل (٤) طائفة ــ غَرَض وعُرْف وإرادة في مقدار الصلاة يخالف عُرْفَ غيرِهم, وهذا يفضي إلى تغيير الشريعة, وجَعْل السنة تابعةً لأهواء


(١). أخرجه أحمد (٤٧٩٦)، والنسائي في «المجتبى» (٨٢٦) وفي «الكبرى» (٩٠٢). وأخرجه ابن خزيمة (١٦٠٦)، وابن حبان (١٨١٧). وفي إسناده الحارث بن عبد الرحمن القرشي صدوق، وبقية رجاله ثقات.
(٢). أخرجه مسلم (٥٤٤) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنهما -.
(٣). أخرجه البخاري (٦٣١)، ومسلم (٦٧٤)، وليس في مسلم لفظ: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
(٤). الأصل و (ش، هـ) والمطبوعات: «فكل» ولعله ما أثبت.