وأما معارضته بحديث البراء في قصة ناقته, ففي غاية الضعف, فإن العقوبة إنما تسوغ إذا كان المعاقَب متعديًّا بمَنْع واجب أو ارتكاب محظور, وأما ما تولَّد من غير جنايته وقصده, فلا يسوِّغ أحدٌ عقوبته عليه, وقول من حَمَل ذلك على سبيل التوعّد دون الحقيقة في غاية الفساد, يُنَزَّه عن مثله كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقول مَن حَمَله على أخذ الشطر الباقي بعد التلَف باطل؛ لشدة منافرته وبُعْده عن مفهوم الكلام، ولقوله:«فإنَّا آخذوها وشطرَ ماله».
وقول الحربي: إنه «وشُطِرَ» بوزن شُغِل، في غاية الفساد، ولا يعرفه أحدٌ من أهل الحديث, بل هو من التصحيف.
وقول ابن حبان: لولا حديثه هذا لأدخلناه في «الثقات» , كلام ساقط جدًّا, فإنه إذا لم يكن لضعفه سببٌ إلا رواية هذا الحديث وهذا الحديث إنما ردَّه لضعفه, كان هذا دورًا باطلًا, وليس في روايته لهذا ما يوجب ضعفَه، فإنه لم يخالف فيه الثقات. وهذا نظير ردّ مَن ردّ حديث عبد الملك بن أبي سليمان, حديث جابر في شُفْعة الجوار (١) , وضعَّفه بكونه روى هذا
(١). وهو حديث: «الجارُ أحقّ بشُفْعَة جاره ... » أخرجه أبو داود (٣٥١٨)، والترمذي (١٤٢١)، والنسائي في «الكبرى» (٧٢٦٤)، وابن ماجه (٢٤٩٤)، وأحمد (١٤٢٥٣) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر به. وقد تكلّم شعبةُ في عبد الملك بسبب هذا الحديث، وكذا الشافعي وأحمد ويحيى. وقال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: لا أعلم أحدًا رواه عن عطاء غير عبد الملك، تفرّد به، ويروى عن جابر خلاف هذا. وانظر كلام المؤلف في الجواب عن تعليله في كتابنا هذا (٢/ ٥٣٧)، وينظر أيضًا: «نصب الراية»: (٤/ ١٧٣ - ١٧٤)، و «تنقيح التحقيق»: (٤/ ١٧٥ - ١٧٦).