للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد اخْتُلِف في نكاح الزانية؛ فمذهب الإمام أحمد بن حنبل: أنه لا يجوز تزوُّجها حتى تتوب, وتنقضي عدَّتها, فمتى تزوجها قبل التوبة أو قبل انقضاء عدتها كان النكاح فاسدًا, ويفرَّق بينهما (١).

وهل عِدَّتها ثلاث حِيَض, أو حيضة؟ على روايتين عنه.

ومذهب الثلاثة: أنه يجوز أن يتزوَّجها قبل توبتها, والزنا لا يمنع عندهم صحَّة العقد, كما لم يوجب فسخَه طريانُه (٢).

ثم اختلف هؤلاء في نكاحها في عدّتها: فمَنَعَه مالك, احترامًا لماء الزوج, وصيانةً لاختلاط النسب الصريح بولد الزنا. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه يجوز العقد عليها من غير انقضاء عدة.

ثم اختلفا, فقال الشافعي: يجوز العقد عليها وإن كانت حاملًا, لأنه لا حُرْمة لهذا الحمل. وقال أبو يوسف وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه: لا يجوز العقد عليها حتى تضع الحملَ, لئلا يكون الزوج قد سقى ماءَه زرعَ غيرِه, ولنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن توطأ المَسْبية الحاملُ حتى تضع. مع أن حملها مملوك له, فالحامل من الزنا أولى أن لا تُوطَأ حتى تضع, ولأنّ ماء الزاني وإن لم يكن له حُرْمة فماء الزوج محترم، فكيف يسوغ له أن يخلطه بماء الفجور؟ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - همّ بلعن الذي يريد أن يطأ أَمَته الحامل من غيره وكانت مسبية, مع انقطاع الولد عن أبيه, وكونه مملوكًا له. وقال أبو حنيفة


(١) ينظر «المغني»: (٩/ ٥٦١ - ٥٦٣).
(٢) ينظر: «الأم»: (٦/ ٣٨٤ - ٣٨٦) و «الذخيرة»: (٤/ ٢٥٩ - ٢٦٠)، و «شرح فتح القدير»: (٣/ ٢٤١ - ٢٤٦). ووقع في ط. الفقي: «طريانه فسخه» والمثبت من الأصل و (ش، هـ)، وبضبطه يزول الإشكال المتوهّم.