أحدها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق له الأكل، ولم يقل: كُلْ إذا اضطُرِرتَ، واتْرُك عند زوال الضرورة، كما قال تعالى في الميتة، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله عن ركوب هَدْيه:«ارْكَبْها بالمعروف إذا أُلْجِئتَ إليها حتى تجد ظَهرًا»(١).
الثاني: أنه لو كانت الإباحة إنما هي لأجل الضرورة فقط لثبت البدل في ذمته، كسائر الأموال، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره ببدل، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع.
الثالث: أن لفظ الحديث في كتاب أبي داود ليس فيه للضرورة ذكر، فإنه قال:«يا غلام لِمَ ترمي النخلَ؟» قال: آكل، فقال:«لا ترم النخل، وكل ما يسقط». فأخبره أنه يرميها للأكل لا للحمل، فأباح له أكلَ المتساقط، ومنعه من الرمي لما فيه من كثرة الأذى.
ورواه الترمذي، ولفظه: قال: «يا رافع لِمَ ترمي نخلهم؟» قال: قلت: يا رسول الله الجوع، قال:«لا ترمِ، وكل ما وقع، أشبعك الله». فهذا اللفظ ليس معارِضًا للأول. وكلاهما يدل على إباحة الأكل، وأن الإباحة عند الجوع أولى.
ومما يدل على الجواز أيضًا: حديث عبّاد بن شُرَحبِيل، وقد ذكره
(١) أخرجه مسلم (١٣٢٤) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.