للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن القيم - رحمه الله -: وقد استُشكل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما خرجوا منها أبدًا» (١)، و «لم يزالوا فيها» مع كونهم لو فعلوا ذلك لم يفعلوه إلا ظنًّا منهم أنه من الطاعة الواجبة عليهم، وكانوا متأولين.

والجواب عن هذا: أن دخولهم إياها معصية في نفس الأمر، وكان الواجب عليهم أن لا يبادروا، ويتثبَّتوا حتى يعلموا: هل ذلك طاعةٌ لله ورسوله أم لا؟ فأقدموا على الهجوم والاقتحام من غير تثبت ولا نظر، فكان عقوبتهم أنهم لم يزالوا فيها.

وقوله: «أبدًا» لا يعطي خلودهم في نار جهنم، فإن الإخبار إنما هو عن نار الدنيا (٢)، و «الأبد» كثيرًا ما يُراد به أبد الدنيا؛ قال تعالى في حق اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة:٩٥]، وقد أخبر عن الكفار أنهم يتمنون الموت في النار ويسألون ربهم أن يقضي عليهم (٣).

وقد جاء في بعض الروايات: أن هذا الرجل كان مازحًا، وكان معروفًا بكثرة المزاح (٤)، والمعروف أنهم أغضبوه حتى فعل ذلك.


(١) هذا لفظ إحدى روايات البخاري (٧١٤٥).
(٢) يؤيد ذلك أن لفظه في الروايات الأخرى في «الصحيح» وغيره: «ما خرجوا منها إلى يوم القيامة»، وفي بعضها: «لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة». ومعلوم أن القصة واحدة، فيكون من قال: «أبدًا» رواه بالمعنى يقصد به أبد الدنيا.
(٣) وذلك في قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:٧٧].
(٤) جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري، ولفظه: «كانت فيه دعابة ... فلمّا ظن أنهم واثبون قال: أمسكوا على أنفسكم، فإنما كنت أمزح معكم»، وسمَّى أبو سعيد الأمير: عبد الله بن حُذافة السهمي، وذكر أنه كان في بعثٍ عليه علقمةُ بن مجزِّز المُدلجيُّ، فأمَّره علقمة على طائفةٍ من الجيش في بعض الطريق. أخرجه أحمد (١١٦٣٩)، وابن ماجه (٢٨٦٣)، وابن حبان (٤٥٥٨)، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق لا بأس به، فظاهر الإسناد أنه حسن، لكنه مخالف لما ورد في روايات «الصحيحين» لحديث الباب أن الأمير كان من الأنصار، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمَّره، وأنه قد غضب عليهم فأمرهم بذلك. قال المؤلف في «زاد المعاد» (٣/ ٤٥١ - ٤٥٢): فإما أن يكونا واقعتين، أو يكون حديث عليٍّ ــ أي: المتفق عليه ــ هو المحفوظ.