للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عمرٍو، وهذا إنما يكون فيه المصدر بدلًا من اللفظ بالفعل إذا كان مُنَكَّرًا، نحو «ضربًا زيدًا» أي اضربْ زيدًا. ولهذا كان قولك: «ضربًا زيدًا» كلامًا تامًّا، وقولك: «ضَرْبَ زيدٍ» ليس بكلام تام، فإن الأول يتضمن: اضربْ زيدًا ــ بخلاف الثاني فإنه مفرد فقط ــ، فيعطي ذلك معنى الجملة، فأما إذا أضفته وقلتَ: ضرْبَ زيدٍ، فإنه يصير مفردًا ولا يجوز تقديره باضرِبْ زيدًا، ويدل على بطلانه:

الوجه السابع: وهو أن الجنين إنما يُذكَّى مثلَ ذكاةِ أمه إذا خرج حيًّا، وحينئذ فلا يؤكل حتى يذكى ذكاةً مستقلة، لأنه حينئذ له حكم نفسه. وهم لم يسألوا عن هذا، ولا أجيبوا به، فلا السؤال دل عليه، ولا هو جواب مطابق لسؤالهم، فإنهم قالوا: نذبح البقرة أو الشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ فقال: «كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه». فهم إنما سألوه عن أكله: أيحل لهم أم لا؟ فأفتاهم بأكله، وأزال عنهم ما عَلِم أنه يقع في أوهامهم من كونه ميتةً بأنه ذُكِّيَ بذكاة الأم.

ومعلوم أن هذا الجواب والسؤال لا يطابق: «ذَكُّوا الجنين مثلَ ذكاة أمه»، بل كان الجواب حينئذ: لا تأكلوه إلا أن يخرج حيًّا، فتذكُّونه ذكاةً (١) مثلَ ذكاةِ أمه، وهذا ضد مدلول الحديث، والله أعلم.

وبهذا يُعلم فساد ما سلكه أبو الفتح ابن جِنِّي (٢) وغيرُه في إعراب هذا الحديث، حيث قالوا: «ذكاةُ أمه»، على تقدير مضاف محذوف، أي ذكاة الجنين مثلُ ذكاةِ أمّه، وحَذْفُ المضاف وإقامةُ المضاف إليه كثير. وهذا إنما


(١) «فتذكونه ذكاة» من (هـ)، وفي الأصل: «فذكاته».
(٢) فقد ألّف في إعرابه رسالة، نقل منها السيوطي في «عقود الزبرجد» (١/ ٢٥٧ - ٢٦٠).