للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى قد ألَّف بين المسلمين بالإسلام، وجعلهم به إخوةً متناصرين متعاضدين يدًا (١) واحدة بمنزلة الجسد الواحد، فقد أغناهم بالإسلام عن الحلف. بل الذي توجبه أخوّةُ الإسلام لبعضهم على بعضٍ أعظمُ مما يقتضيه الحلف.

فالحلف إن اقتضى شيئًا يخالف الإسلام فهو باطل، وإن اقتضى ما يقتضيه الإسلام فلا تأثير له، فلا فائدة فيه. وإذا كان قد وقع في الجاهلية ثم جاء الإسلام بمقتضاه لم يزده إلا شدةً وتأكيدًا.

وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «شهدت حِلْفًا في الجاهلية ما أحب أن لي به حُمْرَ النَّعَم، لو دُعِيتُ إلى مثله في الإسلام لأجبت» (٢)، فهذا ــ والله أعلم ــ هو حلف المُطيَّبين (٣)، حيث تحالفت قريش على نصر المظلوم، وكفِّ الظالم


(١) في الأصل وط. المعارف: «يد»، والمثبت من ط. الفقي.
(٢) أخرجه البزار (١٠٢٤) والطوسي في «مختصر الأحكام» (١٣٤٦) بنحوه، وأخرج البخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ٢٩٥) طرفًا منه، من طرق فيها مقال عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جدّه.
وله شاهد من حديث طلحة بن عبد الله بن عوف مرسلًا عند ابن إسحاق (سيرة ابن هشام ١/ ١٣٤) والبيهقي (٦/ ٣٦٧). وروي نحوه من حديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد (١٦٥٥) وابن حبان (٤٣٧٣) والحاكم (٢/ ٢٢٠)، ولكن ليس فيه موضع الشاهد: «لو دُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت».
(٣) كذا ورد مصرَّحًا في حديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد وابن حبان والحاكم، ولكن في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق المدني، في حديثه بعض ما يُنكر ولا يُتابَع عليه، وهذا الحديث مما أنكره عليه ابن عدي في ترجمته في «الكامل» (٤/ ٣٠١). وورد أيضًا في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مرفوعًا عند ابن حبان (٤٣٧٤)، ولكن في إسناده ضعف، ورجَّح الدارقطني في «العلل» (١٧٧٩) أن الصواب عن أبي سلمة مرسلًا.
وقد اعتبر بعض العلماء ما ورد من ذكر «حلف المطيبين» غلطًا، قالوا: والصواب: «حلف الفضول»، لأن حلف المطيّبين كان قبل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بزمان. وقد أجاب ابن حبان وغيره بأن المراد حِلْف الفُضُول الذي عقده المُطَيَّبون. انظر: «صحيح ابن حبان» عقب (٤٣٧٤)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (٦/ ٣٦٥ - ٣٦٧)، و «البداية والنهاية» (٣/ ٤٥٥ - ٤٥٦)، و «البدر المنير» (٧/ ٣٢٥ - ٣٢٩).