فيصطفون صفا بعد صفّ محدقين بالجن والإنس، وعلي هذا فليس الثاني فيه تأكيدًا للأول، بل المراد به التكرير، كما يقال:"علّمتُه الحسابَ بابًا بابًا"، وكذلك ليس من تأكيد الجملة قول المؤذن:"الله أكبر، الله أكبر" -خلافا لابن جني- لأن الثاني لم يؤتَ به لتأكيد الأول، بل لإنشاء تكبير ثانٍ، بخلاف قوله:"قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" فإن الجملة الثانية خبر ثانٍ جيء به لتأكيد الأول" ا. هـ.
[التوكيد المعنوي]
في عبارة واحدة يمكن تحديد التوكيد المعنوي بأنه تثبيت معنى المتبوع بدفع الاحتمالات عنه ا. هـ.
فنحن نقول مثلا: "اجتمعَ الرؤساءُ العربُ أنفسُهم" فلو اقتصر الأمر على المؤكَّد لاحتمل الأمر أن الذين اجتمعوا هم مندوبوهم، فإذا ذكر لفظ التوكيد "أنفسهم" ارتفع ذلك الاحتمال.
ونحن نقول أيضا: "درسْنَا النحوَ كلَّه" فلو اقتصر على المؤكَّد "النحو" لاحتمل الأمر أن الذي درس معظمه أو أبواب منه، فحين يذكر لفظ التوكيد "كله" يرتفع ذلك الاحتمال.
وحول هذا المعنى السابق جاءت التعريفات النحوية التي سيقت لهذه الصورة من صور التوكيد، ومعظمها بألفاظ غامضة تؤدي في النهاية للتحديد السابق، ومن نماذجها:
يقول ابن عقيل: هو ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكد أو توهم عدم إرادة الشمول.
ويقول ابن هشام: هو تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول.