للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في تحفة الغرائب: بهذه الجزيرة عين فوارة يفور الماء منها وبقربها ثقبة ينزل فيها، فما بقي من الرشاشات على أطرافها ينعقد حجرا صلدا، فلما كان من الرشاشات في النهار يصير حجرا أبيض، وما كان في الليل يصير حجرا أسود.

(ومنها) جزيرة القصر، وهي جزيرة فيها قصر أبيض يتراءى للمراكب، فإذا شاهدوا ذلك تباشروا بالسلامة والربح والفائدة.

ذكروا أنه قصر مرتفع شاهق لا يدرى ما في داخله، وكان بعض الملوك سار إليها فدخل القصر بأتباعه فغلبهم النوم وخدرت أجسامهم؛ فلم يقدروا على الحركة، فبادر بعضهم إلى المراكب، وهلك الباقون.

(ومنها) أن أصحاب ذي القرنين (١) رأوا في بعض الجزائر أمة، رءوسهم رءوس الكلاب،


(١) لقد ورد ذكر ذي القرنين في القرآن الكريم في سورة الكهف فقال تعالى: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً * حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ [الكهف: ٨٣ - ٩١] قال ابن إسحاق: وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق، قال ابن إسحاق: إن ذا القرنين كان من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح.
وقال ابن إسحاق أيضا: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي - وكان خالد رجلا قد أدرك الناس - أن رسول الله سئل عن ذي القرنين، فقال : «ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب».
وعن علي بن أبي طالب أن ذا القرنين كان عبدا صالحا نصح الله فأيده، وقيل في سبب تسميته بهذا الاسم: إنه كان ذا ضفرتين من شعر، فسمي بهما، ذكره الثعلبي وغيره، والضفائر قرون الرأس، ومنه قول الشاعر:
لثمت فاها آخذا بقرونها … شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
وقيل: إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس، فقص ذلك، ففسر أنه سيغلب ما ذرت عليه الشمس؛ فسمي بذلك ذا القرنين.
وقيل: إنما سمي بذلك؛ لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا.

<<  <   >  >>