وأما الحيوانات المائية المشهورة فنذكرها إن شاء الله تعالى.
(بحر فارس) هو شعبة من بحر الهند الأعظم، من أعظم شعبها، وهو بحر مبارك، كثير الخير، لم يزل ظهره مركوبا واضطرابه وهيجانه أقل من سائر البحار، قال محمد بن زكريا: سئل عبد الغفار الشامي البحري عن مد البحار وجزرها؟ فقال: لا يكون المد والجزر في البحر الأعظم في السنة إلا مرتين؛ مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر وانحسر عن مشارقه.
وأما بحر فارس فإنه يكون على مطالع القمر، وكذلك بحر الصين والهند وبحر طرابزندة، فإن القمر إذا صار في أفق من آفاق هذا البحر أخذ المد مقبلا مع القمر ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك الموضع، فيجزر الماء ولا يزال راجعا إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك يكون قد انتهى الجزر إلى منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدء لمد هناك مرة ثانية، إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا زال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وتد الأرض، فحينئذ انتهى المد إلى منتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدئ بالجزر والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع، فيعود الماء على مثال ما كان عليه أولا، ولهذا البحر مد آخر بحسب امتلاء القمر ونقصانه، فإذا كان أول الشهر أخذ الماء في الزيادة ويزداد كل يوم إلى منتصف الشهر، فعند ذلك بلغ المد منتهاه، ثم يأخذ في النقصان وينقص كل يوم إلى آخر الشهر، فعند ذلك بلغ الجزر منتهاه، ثم يعود إلى ما كان أولا، ويأخذ في المد.
قال ابن الفقيه: بحر فارس وإن كان متصلا ببحر الهند إلا أن حالهما مختلف في السكون والاضطراب؛ لأن بحر فارس تكثر أمواجه ويصعب ركوبه عند لين بحر الهند وسكونه، وكذلك بحر الهند تكثر أمواجه عند سكون بحر فارس، فأول ما تبدو صعوبة بحر فارس عند نزول الشمس ببرج السنبلة قريبة من الاستواء الخريفي ولا يزال يزداد في يوم اضطرابه حتى تصير الشمس في الحوت، وأصعب ما يكون آخر الخريف عند نزول الشمس القوس، فإذا قربت من الاستواء الربيعي يعود إلى السكون، وأسهل ما يكون ظهره آخر الربيع حال نزول الشمس الجوزاء.
قال أبو عبد الله الحسيني: خصص الله تعالى بحر فارس بمزيد الخيرات والفوائد والعجائب، فإذا فيه المد والجزر وغزارة الماء، فإن الماء فيه من سبعين ذراعا إلى ثمانين، وفيه مغاص اللؤلؤ الجيد البالغ الذي لا يوجد مثله في شيء من البحار، وفي جزائره معدن العقيق