فقلت: أنا يا قوم في معرض الهلاك، وأنا رجل سئمت من الشقاء، وكنت أتمنى الموت، وكان في السفينة جمع من الأصفهانيين فقلت لهم: احلفوا إنكم تقضون ديوني وتحسون إلى أولادي وأنا أفديكم بنفسي، فأجابوا إلى ذلك فقلت للمعلم: ماذا تأمرني؟
فقال: أن تقف على هذه الجزيرة، وكان بقرب الدردور جزيرة مسيرة ثلاثة أيام بلياليها، ولا تفتر عن ضرب هذا الدهل، فقلت لهم: أفعل ذلك، فحلفوا لي أيمانا مغلظة على ما شرطت عليهم، وأعطوني من الماء والزاد ما يكفيني أياما، وأنا طرف الجزيرة، فذهبت ووقفت وشرعت في ضرب الدهل، فرأيت المياه تحركت وجرت المركب وأنا أنظر إليه حتى غاب عن بصري.
قال: فلما غاب عني المركب جعلت أتردد في الجزيرة، فإذا أنا بشجرة عظيمة لم أر أعظم منها، وعليها شبه سطح غليظ، فلما كان آخر النهار أحسست بهدة شديدة، فإذا طائر لم أر حيوانا أعظم منه جاء ووقع على سطح تلك الشجرة، فاختفيت منه خوف أن يصطادني، إلى أن بدأ ضوء الصباح فنفض جناحيه وطار.
فلما كانت الليلة الثانية جاء ووقع على عشه وكنت أيضا آيسا من حياتي ورضيت بالهلاك ودنوت منه فلم يتعرض لي بشيء وطار مصبحا.
فلما كانت الليلة الثالثة قعدت عنده من غير دهشة إلى أن نفض جناحيه عند الفجر، فتمسكت برجله فطار أسرع طيران إلى أن ارتفع النهار، فنظرت نحو الأرض فما رأيت سوى لجة البحر فكدت أترك رجله من شدة ما نالني من التعب، فحملت نفسي على الصبر إلى أن نظرت نحو الأرض فرأيت القرى والعمارات فدنا من الأرض وتركني على صبرة تبن، في بيدر لبعض القرى والناس ينظرون إلي، ثم طار نحو الهواء وغاب عني.
فاجتمع الناس إليّ وحملوني إلى رئيسهم، فأحضر لي رجلا يفهم كلامي، فقالوا لي: من أنت؟ فحدثتهم بحديثي كله فتعجبوا مني وتبركوا بي وأمر الرئيس لي بمال، فبقيت عندهم أياما فمشيت يوما إلى طرف البحر أتفرج، فإذا قد وصل مركب أصحابي، فلما رأوني أسرعوا سائلين عن حالي، فقلت لهم: يا قوم إني بذلك نفسي لله تعالى، فأنقذني بطريق عجيب وجعلني آية للناس، ورزقني المال، وأوصلني إلى المقصد قبلكم، فهذه حكاية عجيبة، وإن كانت غير بعيدة من لطف الله تعالى.