للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والناس ينظرون إليه، زعموا أنها دابة تؤذي دواب البحر؛ فيبعث الله إليه سحابا يخرجه من البحر ويحتمله، وهو على صورة حية سوداء، لا يمر ذنبها على شيء من شجر أو بناء عظيم إلا هدته، وربما تتنفس فتحرق الشجر فيلقيها إلى يأجوج ومأجوج وتكون لهم غذاء، وعن ابن عباس نحو هذا.

(ولنختم) هذا الفصل بحكاية عجيبة، وهو أن كسرى (١) أنوشروان لما فرغ من سد بليخ وأحكمه سر بذلك سرورا شديدا، وأمر بنصب سريره على السد، ورقى على السرير، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا رب الأرباب، أنت ألهمتني سد هذا الثغر وقمع العدو، فأحسن الموهبة إلي وعزني، وسجد سجدة أطالها.

ثم استوى على فراشه واستلقى وقال: الآن استرحت؛ يعني: من سطوة الخزر ومقاساة الترك، ثم أغفى فطلع طالع من البحر سد الأفق بطوله وارتفعت معه غمامة سدت الضوء، فتبادرت الأساورة إليه، فتنبه أنوشوروان، وقال: ما شأنكم؟ قال: الذي ترى، فقال: أمسكوا عن سلاحكم لم يكن الله ﷿ يلهمني الشغل اثني عشر عاما وستة أشهر، وتهده بهيمة من بهائم البحر.

فنحى الأساورة وأقبل الطالع نحو السد حتى علاه، ثم قال: أيها الملك، أنا من سكان البرح، رأيت هذا الثغر مسدودا سبع مرات، فأوحى الله تعالى أن ملكا عصره عصرك، وصورته صورتك، يسد هذا الثغر فينسد أبدا، وأنت ذلك الملك، فأحسن الله معونتك، ثم غاب عن البصر كأنه طار في الجو أو غاص في الماء، والله الموفق.

(القول في حيوان الماء) حيوان الماء على قسمين: منه ما ليس له رئة كأنواع السمك، فإنه لا يعيش إلا في الماء، ومنه ما له رئة كالضفدع، فإنه يجمع بين الماء والهواء.


(١) قدرة الله لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ويحكى أنه يقال: إن السحاب موكل بالتنين يختطفه حيث ما يقفه كما تخطف حجر المغناطيس الحديد حتى صار لا يطلع رأسه من بطن الأرض خوفا من السحاب، ولا يخرج من الفرط إلا مرة إذا أضحت السماء، فلم يكن فيها نكتة من غيم، ويمكن أن نتساءل: فلم وكل السحاب بالتنين برصده وبخطفه إذا وجده إلا ليدفع عن الناس ضره؟ فإن قلت: ولم خلق التنين أصلا، قلنا: للتخويف والترهيب وللنكال في موضع ذلك، فهو كالسوط المعلق يخوف به أهل الريب أحيانا للتأديب والموعظة.
(١) كسرى لقب رئيس الفرس كفرعون عند المصريين وقيصر عند الروم، وتجمع كسرى على أكاسرة.

<<  <   >  >>