فأما التي لا تعيش إلا في الماء فلا حاجة لها إلى استنشاق الهواء؛ لأن الباري تعالى لما خلقها في الماء جعل حياتها منه، وجعلها على طبيعة الماء، وركب أبدانها تركيبا بحيث يصل إليها برد الماء وروح الحرارة الغريزية التي في بدنها، وينوب عن استنشاق الهواء؛ فلذلك تراها لا صوت لها لفقد الرئة التي لا حاجة لها إليها.
والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون لكل حيوان أعضاء كثيرة مختلفة، وكل حيوان يكون أنقص فهو أقل حاجة، ثم اقتضت أن لكل حيوان أعضاء مشاكلة لبدنه ومفاصل مناسبة لحركاته، وجلودا صالحة لوقايته، فجعل أبدان حيوان الماء إما صدفية صلبة لا يعمل فيها الشيء الحاد أو فلوسية أو ما شاكلهما غطاء ووقاية من العاهات العارضة، وجعل لبعضها أجنحة وأذنابا تسبح في الماء كما يطير في الهواء، وجعل بعضها آكلا وبعضها مأكولا، وجعل نسل المأكول أكثر لبقاء أشخاصها، فسبحانه ما أعظم شأنه!
(ولنذكر) بعض حيوان الماء وعجائبه وخواصه على ترتيب حروف المعجم، والله أعلم بالصواب.
(أرنب البحر) هو حيوان رأسه كرأس الأرنب، وبدنه كبدن السمك. قال الشيخ الرئيس ابن سينا: هو حيوان صدفي إلى الحمرة ما بين أجزائه، شبيه بورق الأشنان، ينفي الكلف والبهق، ورأسه تحرق لتنبت الشعر في داء الثعلب سيما مع شحم الدب.
(إليس) نوع من السمك عظيم جدّا، وحيوانات الماء كلها تصطاد إلا هذه السمكة، من خواصها أنه لو شوي وأطعم شخصان منه وكان بينهما خصومة شديدة تبدلت بالمحبة.
(إنسان الماء) يشبه الإنسان إلا أنه له ذنبا، وقد جاء شخص بواحد منه في زماننا في بغداد، فعرضه على الناس، وشكله على ما ذكرناه، وقد ذكر أنه في بحر الشام ببعض الأوقات يطلع من الماء إلى الحاضر إنسان، وهو ذو لحية بيضاء يسمونه شيخ البحر، ويبقى أياما ثم ينزل فإذا رآه الناس يستبشرون بالخصب.
وحكي أن بعض الملوك حمل إليه إنسان مائي، فأراد الملك أن يعرف حاله فزوجه امرأة فجاء منها ولد يفهم كلام الأبوين، فقيل للولد: ماذا يقول أبوك؟ قال: يقول أذناب الحيوانات كلها على أسافلها، ما بال هؤلاء أذنابهم على وجوههم!