للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغرائب: إن في هذا الربع المسكون (١) مائتين وأربعين نهرا طولا منها ما طوله من خمسين فرسخا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، ومنها ما يجري من المشرق إلى المغرب، ومنها ما يجري من المغرب إلى المشرق، ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب، ومنها ما يجري من الجنوب إلى الشمال، وكلها تبتدئ من الجبال وتنتهى إلى البحار والبطائح، وفي ممرها تسقي المدن والقرى، وما فضل ينصب إلى البحار ويختلط بالماء المالح، والشمس تشرق فيها فيصعد بخارا، وينعقد غيوما وتسوقها الرياح إلى الجبال والبراري وتمطر هناك، وتجري في الأودية والأنهار وتسقي البلاد، ويرجع فاضلها إلى البحر، ولا يزال هذا دأبها وتدور كالرحى في الشتاء والصيف إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

(ولنذكر) بعض الأنهار وخواصها وعجائب أحوالها وغرائب حيواناتها مرتبا على حروف المعجم.

(نهر إتل) نهر عظيم يقارب دجلة في بلاد الخزر، مجيئه من أرض الرءوس وبلغار لغزارة الماء، إذا انتهى إلى البحر يجري فيه يومين، فيغلب ماء البحر، ويبين لونه من لون ماء البحر ويجمد في الشتاء لعذوبته. وفي هذا النهر حيوانات عجيبة ذكر أحمد بن فضلان رسول المقتدر بالله إلى بلغار قال: لما وصلت إلى بلغار سمعت أن عندهم رجلا عظيم الخلقة فسألت الملك عنه فقال:

نعم ما كان من أهل بلادنا.

ومن خبره أن قوما خرجوا إلى نهر إتل وكان قد مد وطغى، فقالوا: أيها الملك قد وقف على الماء رجل كان من أمة تقرب منا، فلا مقام لنا فركبت معهم حتى صرت إلى النهر، وإذا رجل طوله اثنا عشر ذراعا ورأسه كأكبر ما يكون من القدر، وأنفه أطول من شبر وعيناه عظيمتان وكل أصبع منه شبر فأقبلنا نكلمه، وهو لا يزيد على النظر إلينا فحملته إلى مكاني وكتبت إلى أهل ويسو وبيننا وبينهم ثلاثة أشهر، فعرفوني أن هذا الرجل من يأجوج ومأجوج (٢)، قالوا: يحول بيننا وبينهم البحر، قالوا: فأقام الرجل لعندنا مدة ثم أصابه في نحره علة مات منها فخرجت ورأيت جثة هائلة جدّا.


(١) يقصد بالربع المعمور اليابس من الكرة الأرضية، فالأرض ربعها يابس تقريبا، وثلاث أرباعها بحار ومحيطات، انظر الأطلس العربي.
(٢) وقد ذكر الله تعلى قوم يأجوج ومأجوج في سورة الكهف في قوله تعالى: ﴿حَتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾، قوله: ﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ هما قبيلتان من ذرية يافث بن نوح.

<<  <   >  >>