وذكر عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الحكم أن المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص ﵁، وقالوا: أيها الأمير إن لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها وذلك أنه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة من شهر بئونة عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون وألقيناها في النيل ليجري.
فقال لهم عمرو: إن هذا في الإسلام لا يكون فأقاموا بئونة، وأبيب، ومسرى والماء لا يجري قليلا ولا كثيرا، وهم الناس بالجلاء فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب ﵁ يعلمه بذلك فكتب في جوابه أما بعد: فقد أصبت في أن هذا في الإسلام لا يكون وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل؛ فإذا في الكتاب:
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك.
فألقى عمرو بن العاص (١) البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء فأصبحوا يوم الصليب وقد أجرى الله تعالى النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فإذا استوى الماء كما ذكرنا عند المقياس كسر الخليجان حتى تمتلئ جميع الأرض من مصر وتبقى التلال والقرى عليها.
وسائر الأرض تكون في البحر فإذا استوفت الأرض الماء ورويت وزرعت عليها أصناف الزروع واكتفت بتلك الشربة لأنه كلما تأخر الوقت برد الجو؛ فلا تنشف الأرض إلى أن يدرك الزرع، وعاد الوقت يأخذ في الحر والصيف حتى ينضج الزرع فيأخذون في حصادها وفي ذلك عبرة.
ومن عجائب النيل: السمك الرعادة والتمساح، وقد ذكرناهما في حيوان الماء، وفي النيل موضع يجتمع فيه السمك في كل سنة يوما معلوما، فالإنسان يصيد بيده ما يشاء ثم يتفرق إلى ذلك اليوم من السنة القابلة.
(نهر هند مند) بسجستان نهر عظيم يقول أهل سجستان: إنه ينصب فيه ألف نهر ولا تتبين زيادة في عموده، وينشق منه ألف نهر ولا يظهر فيه نقصان، وإنه في الحالتين سواء.
(١) عمرو بن العاص: هو عمرو بن العاص بن وائل أبو عبد الله صحابي، مشهور قائد جيوش المسلمين وفاتح مصر وأميرها في عهد خلافة عمر بن الخطاب ﵁.