للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(نهر مهران) بالسند عرضه كعرض جيحون يقبل من المشرق إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل الهند، قال الأصطخري (١): مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون، ويظهر بملطان ثم على المنصورة ثم يقع في البحر وهو نهر كبير جدّا ماؤه عذب فيه تماسيح كما في النيل وإنه يرتفع ويمتد على وجه الأرض، ثم ينصب فيزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر.

قالوا: إن تماسيح هذا النهر أصعب من تماسيح النيل وأصغر.

(نهر مكران) عليه قنطرة من الحجر قطعة واحدة من عبر عليها يتقيأ جميع ما في بطنه بحيث لا يبقى فيه شيء، ولو كانوا ألوفا كان هذا حالهم فمن أراد من الناس القيء عبر على تلك القنطرة.

(نهر النيل) ليس في الدنيا نهر أطول من النيل لأنه مسيرة شهر في بلاد الإسلام وشهرين في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء.

وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر، حين ينقص الأنهار كلها ويزيد بترتيب وينقص بترتيب غيره (٢).

وسبب مده أن الله تعالى يبعث الريح الشمال فيقلب عليه البحر المالح فيصير كالسكن له؛ فيزيد فيعم الربا والتلال ويجري في الخلجان حتى يملأها، فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضر زمان الحراثة بعث الله الريح الجنوب فأخرجته إلى البحر وانتفع الناس بما أروى من الأرض.

ولما كان زمان يوسف اتخذ مقياسا يعرف به قدر الزيادة والنقصان فيزرعون عليه، فإذا زاد على قدر كفايتهم يستبشرون بخصب السنة وسعة الرزق، وذلك المقياس عمود قائم في وسط بركة على شاطئ النيل لها طريق إلى النيل يدخلها الماء إذا زاد وعلى ذلك العمود، خطوط معروفة عندهم يعرفون بوصول الماء إليه مقدار زيادته؛ فأقل ما يكفي أهل مصر لسنتهم أن يزيد أربعة عشر ذراعا فإن زاد ستة عشر ذراعا زرعوا ما يفضل عن عامهم، وأكثر ما يزيد ثمانية عشر ذراعا، والذراع أربعة وعشرون أصبعا.


(١) الإصطخري: أحد علماء الجغرافيا العرب المشهورين.
(٢) لا شك أن نهر النيل خيراته كثيرة جدّا لا تحصى ولا تعد، وأنه شريان الحياة لجميع البلاد التي يمر بأراضيها، وقد سبق ما روي عن رسول الله أنه قال: «النيل والفرات ينبعان من الجنة».

<<  <   >  >>