للمعادن وهي باقية على الجمادية لقربها من البسائط، والمرتبة الثانية للنبات فإنها متوسطة بين المعادن والحيوان بحصول النشو والنمو وفوات الحس والحركة، والرتبة الثالثة للحيوان فإنه قد جمع بين النشو والنمو والحس والحركة، وهذه قوى موجودة في جميع أفراد الحيوان، حتى في الذباب والبعوض.
أما الحس فلأن الله تعالى لما قضى لكل حيوان أمدا معلوما وأبدان الحيوانات متعرضة للآفات المفسدة بها والمهلكة إياها فاقتضت الحكمة الإلهية لها القوة الحساسة؛ لتشعر بواسطتها بالمنافي فتدفعه عن نفسها إذا أحست بألم فلولا هذه القوة لما أحس الحيوان بالجوع إلى أن مات بغتة فجأة من عدم الغذاء، ولكان إذا نام فأصاب يده أو رجله نارا لم يكن يحس به حتى ينتبه من نومه فإذا هو بلا يد ولا رجل.
وأما الحركة فإن الحيوان لما كان محتاجا إلى الغذاء ولم يكن غذاؤه يكفيه في جميع الأوقات، اقتضت الحكمة الإلهية آلات الحركة ليتحرك بها إلى الغذاء، ولولا القوة لاحتاج الحيوان إلى الغذاء ولم يقدر على المشي إليهما فمات جوعا كشجرة لا تجد الماء حتى تجف، ولكان إذا أصابه آفة من حرق أو غرق بقي على مكانه حتى أدركه الغرق أو الحرق، ولما كانت الحيوانات بعضها عدو لبعض اقتضت الحكمة الإلهية لكل حيوان آلة يحفظ بها نفسه من عدوه.
(فمنها): ما يدفع العدو بالقوة والمقاومة كالفيل والأسد والجاموس.
(ومنها): ما يسلم من عدوه بالفرار فأعطى آلة الفرار كالظباء والأرانب والطيور.
(ومنها): ما يحفظ نفسه بسلاح كالقنفذ والشهم والسلحفاة.
(ومنها): ما يحفظ نفسه بحصن كالفأر والحية والهوام.
ومقتضى الحكمة الإلهية أن الله تعالى خلق لكل حيوان من الأعضاء ما يتوقف عليه بقاء ذاته ونوعه لا زائدا ولا ناقصا، ولذلك اختلفت أشكالها وأعضاؤها وتنوعت أنواعها بأنواع كثيرة.
روى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال:«إن الله تعالى خلق في الأرض ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة منها في البر»(١) وقال بعض
(١) رواه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٧٢).