للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وأما قيافة الأثر) فالاستدلال بآثار الأقدام والخفاف والحوافر، وقد اختص هذا الاستدلال بقوم في المغرب أرضهم ذات رمل، فإذا هرب منهم هارب، أو دخل عليهم سارق تبعوا آثار قدميه حتى يظفروا به، ومن العجب ما حكى أنهم يعرفون أثر قدم الشاب من الشيخ والرجل من المرأة والغريب من المتوطن.

(ومنها نفوس الكهنة) وهي نفوس تتلقى الروحانية وتكتسب أحوال الكائنات التي تدل عليها المنامات وغيرها من الحادثات.

حكي أن ربيعة بن نصر اللخمي رأى رؤيا هائلة، فبعث إلى أهل مملكته سأل عن تفسيرها، فقالوا: ليبعث الملك إلى سطيح وشق فلا يجد أعلم منهما، فبعث إليهما فقدما، فقال الملك لسطيح: رأيت رؤيا هالتني فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها، فقال سطيح: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض نعمة فأكلت منها كل ذات جمجمة. فقال الملك: ما أخطأت منها شيئا فما تأويلها؟ فقال: ليهبطن بأرضكم الحبش وليملكن ما بين أبين وجرش، فقال الملك: يا سطيح إن هذا الغائظ فأخبرني متى هو كائن أفي زماني أم بعده؟ فقال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين تمضين من السنين، ثم يقتلون بها أجمعين أو يخرجون منها هاربين، فقال الملك: ومن الذي يملك قبلهم؟ قال: ابن ذي يزن يخرج عليهم من عدن ولا يترك منهم أحدا باليمن. قال الملك: أيدوم ملك ذلك أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع، قال: ومن يقطعه؟ قال:

نبي زكي كريم عظيم يأتيه الوحي من قبل العلي، قال الملك: ومن هذا النبي؟ قال: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر، قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون، قال: أحقّ ما تخبر به؟ قال: نعم، والشفق والقمر إذا اتسق إن ما نبأتك به الحق. فلما فرغ من حديثه دعا بشق وخاطبه مثل ما خاطب سطيحا، وكتم جواب سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان؟ فقال شق: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة، فأكلت منها كل ذات نسمة، فعلم الملك اتفاقهما، فقال: ما أخللت بشيء منها يا شق فما تأويلها؟ قال: لينزلن أرضكم السودان وليملؤن ما بين نجران، فقال: إن هذا لغائظ، فمتى هو كائن في زماني أما بعده؟ فقال: بعده بزمان ثم ينقذكم منه عظيم ذو شأن ويذيقهم أشد الهوان، قال الملك: أيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع برسول من الرسل يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل، يبقى الملك في قومه إلى يوم الفصل. ثم إنه اتفق استيلاء الحبشة على اليمن وملوكها إلى أن جاء سيف بن ذي يزن إلى كسرى، واستنجده فأمده بعساكره برّا وبحرا، وقتلوا الحبشة قتلا ذريعا، وأخرجوهم من اليمن وملكها سيف بن

<<  <   >  >>