للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطعامهم وشرابهم وهم يجيبونه فقال لهم ما لكم صوركم مختلفة وأبوكم الجان واحد، فقالوا: إن اختلاف صورنا لاختلاف معاصينا واختلاطه بنا ومناكحتنا مع ذريته، فنظر سليمان فرأى المردة يهمون بالفساد، والملائكة يحولون بينهم وبين ذلك بالأعمدة فصفد المردة وفرقهم في الأعمال المختلفة من عمل الحديد والنحاس وقطع الأحجار والصخور وأبنية الحصون وأمر نساءهم بغزل القز (١) والإبريسم والقطن ونسج البسط والنمارق، وأمر بعضهم بعمل المحاريب والتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات فاتخذوا له قدورا من الحجارة كل قدر تأكل منها ألف نسمة، وأشغل طائفة منه بالطحن، وطائفة بالخبز وأخرى بالذبح والسلخ، وطائفة بالغوص في البحار لاستخراج الجواهر واللآلى، وطائفة لحفر الآبار والقني وشق الأنهار، وطائفة لاستخراج الكنوز من تحت الأرض، وطائفة بالمعدنيات واستخراجها من المعدن، وطائفة برياضة الخيل الصعاب، فأشغل كل طائفة منهم بأمر صعب ليقل فسادهم ويكون قوة ملكه.

وقال وهب بن منبه رضي الله تعالى عنه: كان سليمان إذا شرب الماء كلحت الشياطين في وجهه وهو لا يراهم لأن الكوز كان يمنعه، فكره ذلك منهم فاتخذ له صخرا لجني الأواني من القوارير كان يشرب ولا يمنعه ذلك رؤية الشياطين ثم أمره أن يتخذ له مدينة من القوارير لا تحجب سقوفها وحيطانها شيئا، فبنى مدينة على طول عسكر سليمان وعرضه، وجعل لكل سبط من الأسباط فيها قصرا في طول ألف ذراع وعرض مثله، وفي كل قصر دور ومجالس وبيوت، وعرف للرجال والنساء، ثم بنى مجلسا في طول ألف ذراع، وعرضه كذلك ليجلس فيه العلماء والقضاة، ثم بنى سليمان قصرا رفيعا عجيبا في طول خمسة آلاف ذراع وعرضه مثله، وزخرفه بأنواع القوارير ورصعه بأنواع الجواهر، وكان سليمان إذا ركب الريح على بساطه في هذه المدينة يرى كل شيء كان على بساطه خارج المدينة لصفاء القوارير حتى الطباخين والخبازين وجميع من ركب بساطه من الجن والإنس والخيل والخدم والحشم وكان الكل بمرأى من سليمان ، والريح تمشي بأمره رخاء حيث أصاب.

وقال وهب بن منبه: لما رد الله تعالى على سليمان ملكه أمر الريح الصرصر حتى حشرت إليه شياطين الدنيا فرآهم سليمان على صور عجيبة، منهم من كانت وجوههم إلى


(١) القز: أي الحرير.

<<  <   >  >>