للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقفيتهم ويخرج النار من فيه، ومنهم من كان يمشي على أربعة، ومنهم من كان له رأسان، ومنهم من كانت رءوسهم رءوس الأسد وأبدانهم أبدان الفيلة، فرأى سليمان شيطانا نصفه صورة الكلب ونصفه صورة السنور وله خرطوم طويل، فقال له: من أنت؟ فقال أنا مهر بن هفان بن فيلان فقال سليمان ما عندك من الأعمال؟ فقال: عندي عمل الغناء وعصر الخمر وشربه وأزين الشرب والغناء لبني آدم فأمر بتصفيده، ثم مر به أخر قبيح الشكل أسود له سمج الكلاب والدم يقطر من كل شعره على بدنه، وهو قبيح الشكل جدا فقال له من أنت؟ قال: أنا الهلهال بن المحول فقال له: ما عملك؟ فقال: سفك الدماء فأمر بتصفيده، فقال: يا نبي الله لا تقيدني فإني حشرت إليك جبابرة الأرض، وأعطيك العهد والميثاق أن لا أفسد في مملكتك فأخذ عليه الميثاق ظافر، وختم على عنقه وأطلقه.

ومر به آخر في صورة قرد له أظافر كالمناجل، وهو قابض على بربط فقال له: من أنت؟ فقال: أنا مرة بن الحارث، فقال له: ما عملك؟ فقال: أنا أول من وضع هذا البربط وحركها فلا يجد أحد لذة الملاهي إلا بي فأمر بتصفيده.

قال أبو عبيدة: خرج عبيد بن الأبرص يريد الشام فلما كان ببعض الطريق عرض له شجاع يلهث عطشا، فعمد عبيد إلى راوية ونزل عن بعيره وسقى الشجاع حتى روي ثم مضى حتى أتى الشام وقضى حاجته وانصرف، فإذا في بعض الليالي أضل بعيره ونكب عن الطريق وساء ظنه وإذا هاتف يقول:

يا صاحب البكر المضل مذهبه … دونك (١) هذا البكر منا فاركبه

حتى إذا الليل تراءى عيهبه … وأقبل الصبح ولاح كوكبه

فحط عنه رحله وسيبه.

فرأى بعيرا فاستوى على ظهره فلم يلبث أن رأى باب داره وكان على مسيرة عشرين مرحلة فأقبل يحط عنه الرحل وهو يقول:

يا صاحب البكر قد أنجبت من كرم … ومن فياف تضل المدلج الهادي

هلا بدأت لنا خلوا لنعرف من … هذا الذي جاد بالنعماء في الوادي


(١) دونك: اسم فعل أمر بمعنى خذ.

<<  <   >  >>