للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله تعالى أعلم بصحة هذا القول أو فساده، ولا شك في وجود العرش والكرسي؛ لنصوص الآيات، ولما رواه أبو الدرداء عن رسول الله أنه قال: «ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة».

وأما العرش فإنه مخلوق عظيم من مخلوقات الله تعالى قبلة لأهل السموات، كما أن الكعبة قبلة لأهل الأرض، فسبحان الله العظيم.

(النظر الثاني عشر: في سكان السموات وهم الملائكة) زعموا أن الملك جوهر بسيط ذو حياة ونظر وعقل، والاختلاف بين الملائكة والجن والشياطين كالاختلاف بين الأنواع، واعلم أن الملائكة جواهر مقدسة عن طلب الشهوة وكدورة الغضب، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس وأنسهم بذكر الله تعالى وفرحهم بعبادته، خلقوا على صور مختلفة وأقدار متفاوتة؛ لإصلاح مصنوعاته وإسكان سمواته، وقال : «أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها قدر شبر إلا فيه ملك راكع أو ساجد» (١).

وقال بعض الحكماء: إن لم يكن في فضاء الأفلاك وسعة السموات خلائق فكيف يليق بحكمة البارئ جلت قدرته تركها فارغة مع شرف جوهرها؟ فإنه لم يترك قعر البحار المالحة المظلمة فارغا حتى خلق فيه أجناس الحيوانات وغيرها، ولم يترك جو الهواء الرقيق حتى خلق له أنواع الطير، ولم يترك البراري اليابسة والآجام والجبال حتى خلق فيها أجناس الهوام والحشرات.

وأما أصناف الملائكة فلا يعرفهم غير خالقهم، كما قال تعالى: ﴿يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ﴾ [المدثر: ٣١] غير أن صاحب الشرع أعلم ببعضهم، وبحسب وقوع الحوادث اهتدى العقل إلى بعضهم حتى قيل: ما من ذرة من ذرات العالم إلا وقد وكل بها ملك أو ملائكة، وما من قطرة إلا ومعها ملك ينزل بها من السحاب ويدعها في المكان الذي قدر الله تعالى، هذا حال الذرات والقطرات، فما ظنك بالأفلاك والكواكب والهواء والغيوم والرياح والأمطار والجبال والقفار والبحار والعيون والأنهار والمعادن والنبات والحيوان؟


(١) حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي وأحمد في مسنده بإسناد صحيح.

<<  <   >  >>