فلما رأى ملك الموت ذلك قال: اللهم إن عبدك سليمان تمناني ونزل به ما ترى، اللهم إني أسالك أن تقويه على رؤيتي، فأوحى الله تعالى إليه أن ضع يدك على صدره ففعل ذلك فأفاق سليمان علي السلام، وقال: يا ملك الموت، إني أراك عظيم الخلق أو كل الملائكة مثلك؟
فقال: والذي بعثك بالحق نبيّا إن رجلي الآن على منكبي ملك قد جاوزت رأسه السموات السبع، وارتفع فوق ذلك بمسيرة خمسمائة عام، ورجلاه قد جاوزتا الثرى بمسيرة خمسمائة عام، وهو فاتح فاه رافع رأسه باسط يديه، فلو أذن الله تعالى له أن يطبق شفته العليا والسفلى لأطبق على ما بين السماء والأرض، فقال له سليمان ﵇: ولقد وصفت أمرا عظيما، فقال له:
كيف لو رأيتني على صورتي التي أقبض فيها أرواح الكفار، فصار ملك الموت صديقا له، ويأتيه كل خميس ويقعد عنده إلى أن تزول الشمس.
فقال له سليمان ﵇ يوما: ما لي أراك لا تعدل بين الناس، تأخذ هذا وتدع هذا؟ فقال له ملك الموت: ليس المسئول بأعلم من السائل، إنما هي كتب فيها أسماء المقبوضين تلقى إليّ ليلة الصك، وهي ليلة النصف من شعبان إلى مثلها من السنة القابلة، فأما أهل التوحيد فأقبض أرواحهم بيميني في حريرة بيضاء مغموسة في المسك وترفع إلى عليين، وأما أهل الكفر فأقبض أرواحهم بشمالي في سربال من قطران وتنزل إلى سجين وآمرهم إلى عالم الغيب والشهادة فينبئهم بما كانوا يعلمون.
وعن الأعمش، عن خيثمة قال: دخل ملك الموت على سليمان ﵇ فجعل ينظر إلى أحد جلسائه ويديم النظر إليه، فلما خرج ملك الموت قال الرجل: يا نبي الله، من كان هذا؟ قال:
إنه ملك الموت، قال: رأيته ينظر إليّ كأنه يريدني أريد أن تخلصني منه بأن تأمر الريح لتحملني إلى أقصى بلاد الهند؛ فأمر سليمان الريح بذلك ففعلت، فلما عاد ملك الموت إلى سليمان ﵇ قال له: رأيتك تديم النظر إلى بعض جلسائي، قال: كنت أعجب منه؛ لأني أمرت أن أقبض روحه بأقصى بلاد الهند في ساعة قريبة ورأيته عندك.
وقال وهب: قبض ملك الموت روح جبار من الجبابرة، فقالت الملائكة لملك الموت: لمن كنت أشد رحمة ممن قبضت أرواحهم؟ فقال: أمرت بقبض روح امرأة في فلاة من الأرض فأتيتها وقد ولدت مولودا فرحمتها لغربتها ورحمت ولدها لصغره وكونه في فلاة لا أحد بها، فقالت الملائكة: الجبار الذي قبضت الآن روحه هو ذلك المولود، فقال ملك الموت: سبحان اللطيف بعباده.