وعن ابن عمر ﵄ عن رسول الله ﷺ قال:«أشرفت الملائكة على الدنيا فرأوهم يعصون الله، فقالوا: يا ربنا، ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك؟ فقال الله تعالى: لو كنتم في سلاحهم لعصيتموني، قالوا: كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ فقال:
اختاروا ملكين، فاختاروا هاروت وماروت، ثم أهبطا إلى الأرض، وركبت فيهم شهوات بني آدم، ومثلت لهما، فما عصما حتى واقعا المعصية فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال له: ما تقول؟ فقال: أقول إن عذاب الدنيا ينقطع وعذاب الآخرة لا ينقطع، فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكرهما الله تعالى في قوله: ﴿وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ﴾ [البقرة: ١٠٢]».
وفي رواية أخرى:«قال لهما: إني أرسل رسولا إلى الناس، وليس بيني وبينكما رسول أنزل، ولا تشركا بي شيئا، ولا تقتلوا ولا تسرقا» قال كعب: فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم عليهما.
ومنهم: الملائكة الموكلون بالكائنات؛ لإصلاحها ودفع الفساد عنها، وقد وكل بكل فرد من أفرادها من الملائكة ما شاء الله تعالى.
وروى أبو أمامة ﵁ عن رسول الله ﷺ قال:«وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا، يذبون عنه ما لا يقدر عليه من ذلك، بالبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب الذباب عن قصعة العسل في اليوم الصائف»، وأما المائة والستون فأمر عرفه النبي ﷺ بنور النبوة، ولكنا نمثل جهة التغذي فإنه أمر مشترك بين الحيوان والنبات، وأنت تقيس عليه غيره من الجهات.
فتقول: إن جزءا من الغذاء لا يصير جزءا من المتغذي حتى يعمل فيه عدة من الملائكة، ومعنى التغذي أن يصير جزءا من الغذاء من المتغذي، فإن الغذاء جماد لا يصير دما ولحما وعظما بنفسه، كما أن البر لا يصير طحينا وعجينا ورغيفا حتى تعمل فيه الصناع، فصناع الظاهر أناس، وصناع الباطن الملائكة، فقد أسبغ الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة.
وأقول: أولا: لابد من ملك يجذب الغذاء إلى جوار اللحم والعظم، فإن الغذاء لا يتحرك بنفسه، ولا بد من ثان يمسكه حتى تعمل فيه الحرارة، ثم لا بد من ثالث يلبسها صورة الدم، ثم لابد من رابع يدفع القدر الفاضل عن الغذاء، ثم لابد من خامس يميز العزم واللحم والعروق وما يليق بها، ولا بد من سادس يلصق ما اكتسب صورة العظم بالعظم وما اكتسب صورة اللحم باللحم.