ثم لا بد من سابع يراعي المقادير في الإلصاق؛ فيلحق بالمستدير ما لا يبطل استدارته، وبالعريض ما لا يبطل عرضه، وبالمجوف ما لا يبطل تجويفه، ويحفظ على كل واحد مقدار حاجته، ويدفع الزائد، فإنه لو جمع على الأنف من الغذاء مقدار ما يجمع للفخذ حاجته؛ لتشوهت الصورة، بل ينبغي أن يسوق إلى الأجفان رقيقها، وإلى الحدقة صافيها، وإلى الأفحان غليظها، وإلى العظم صلبها مع مراعاة القدر والشكل، وإلا بطلت الصورة.
فلو لم يراع هذا الملك هذا القسط فساق الغذاء إلى جميع البدن، ولم يسق إلى رجل واحدة مثلا لبقيت تلك الرجل كما كانت في أيام الصغر، وكبر جميع البدن، فترى شخصا في ضخامة رجل، وله رجل كأنها رجل صبي، ولا ينتفع بنفسه البتة.
فمراعاة هذه الهندسة مفوضة إلى هذا الملك، فهذا حال بعض الملائكة الموكلين ببدن بني آدم، فهم مشتغلون بك وأنت في النوم أو تترد في الغفلة، وهم يصلحون بدنك ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها﴾ [النحل: ١٨] هكذا حال جميع الكائنات، فما من شيء إلا وقد وكل الله به ملكا أو ملائكة، والله الموفق.
(النظر الثالث عشر: في الزمان) زعموا أن الزمان مقدار حركة الفلك، وهذا على رأي أرسطاطاليس وأصحابه، وعند غيره مرور الأيام والليالي، ثم مقدار حركة الفلك ينقسم إلى القرون، والقرون إلى السنين، والسنون إلى الشهور، والشهور إلى الأيام، والأيام إلى الساعات.
والزمان أنفس رأس مال به تكتسب كل سعادة، وإنه يضمحل شيئا فشيئا، وزمانك عمرك، وهو معلوم القدر عند الله تعالى، وإن لم يكن معلوما عندك وما مثله إلا كمسافة ساع يسعى في قطعها قوي على السير لا يفتر طرفة عين، فما أعجل انقطاعها وإن كانت بعيدة! وما أسرع زوالها وإن كانت كعمر لقمان مدة مديدة!
ولنذكر شيئا من خواصها وعجيبها:
(القول: في الليالي والأيام) أما اليوم فهو الزمان الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس، وأما الليل فهو الزمان الذي يقع بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ومجموعهما أربع وعشرون