للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصمعي: دخلت على الرشيد يوم الجمعة وهو يقلم أظفاره، ويقول: قلم الأظفار يوم الجمعة من السنة (١)، وبلغني أنه ينفي الفقر فقلت: يا أمير المؤمنين وأنت تخشى الفقر؟ فقال: وهل أحد أخشى من الفقر مني. وفي الأثر: إن الملائكة يتفقدون العبد إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضا فيقولون: ما فعل فلان؟ وما الذي أخره عن وقته؟ ثم يقولون: اللهم إن كان آخره فقر فأغنه، وإن كان آخره مرض فاشفه، وإن كان آخره شغل فأفرغه لعبادتك، وإن كان آخره لهو فأقبل بقلبه على طاعتك.

(يوم السبت) هو عيد اليهود، قال الكلبي: أمر موسى بني إسرائيل أن يفرّغوا في كل أسبوع يوما للعبادة فأبوا أن يقبلوا إلا يوم السبت، وقالوا: إنه يوم فرغ الله فيه من خلق الأشياء، وزعموا أن الأمور التي تحدث في يوم السبت تستمر إلى السبت الآخر، فلذلك امتنعوا فيه من الأخذ والعطاء، والمسلمون يخالفونهم في ذلك؛ لقوله : «بورك لأمتي في بكور سبتها وخميسها» (٢).


(١) ومن هديه تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء هل هو أفضل أم يوم عرفة؟ على قولين هما وجهان لأصحاب الشافعي، وكان يقرأ في فجره بسورتي، ﴿الم تَنْزِيلُ﴾، و ﴿هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ﴾، ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأ أحدهم هذه الصورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعا لتوهم الجاهلين، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما كان النبي يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة؛ لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها؛ فإنها اشتملت على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت فهذه خاصة من خواص الجمعة، وفيه أيضا استحباب كثرة الصلاة على النبي ، والأمر بالاغتسال في يومها أمر مؤكد، والطيب والسواك وهو أفضل من غيره في بقية أيام الأسبوع، وصلاة الجمعة هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين في هذا اليوم ويجب الاشتغال بالصلاة والذكر، والإنصات للخطبة واجب، وقراءة سورة الكهف فهي له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، ويكره فيه الصلاة وقت الزوال.
انظر: زاد المعاد (١/ ١٠٠ - ١١٥)، واللمعة في خصائص الجمعة للسيوطي (١٢٦).
(٢) حديث ضعيف جدّا، والصحيح منه ما أورده أصحاب السنن عن رسول الله : «اللهم بارك لأمتي في بكورها» رواه الترمذي في البيوع برقم (٦)، وابن ماجه في تجارات (٤١)، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده (١/ ١٥٤، ١٥٥).

<<  <   >  >>