أمّا أدونيس فقد أتى في كتابه الثابت والمتحول بألوان التكذيب والجحد، واستعار أقوال أشباهه من الذين عرفوا بالزندقة والاضطراب والضلال ثم جعلها جسرًا لتوصيل وترويج أفكاره ومن الذين فتن بحبهم وأورد كلامهم كثيرًا الزنديق "ابن الراوندي".
وقد ساق أدونيس كلام صنوه ابن الراوندي في جحد النبوة وامتدحه وشرح كلامه في ذلك وفي تهكمه بشرع اللَّه ورسوله وبالعبادات والأحكام، ثم يتعرض للمعجزات جاحدًا ساخرًا متهكمًا قال أدونيس: (ثم يرد المعجزات المنسوبة إلى النبي كحديث الميضأة، وشاة أم معبد، وحديث سراقة وكلام الذئب، وكلام الشاة المسمومة، ويسخر من معجزة الملائكة الذين أنزلهم اللَّه يوم وقعة بدر لنصرة النبي، قائلًا إنهم "كانوا مغلولي الشوكة، قليلي البطشة على كثرة عددهم، واجتماع أيديهم وأيدي المسلمين، فلم يقدروا على أن يقتلوا زيادة على سبعين رجلًا" ثم يتساءل: "أين كانت الملائكة في يوم أحد لما توارى النبي ما بين القتلى فزعًا، وما باله لم ينصروه في ذلك المقام؟ " وأين الراوندي هنا لا ينتقد المعجزة بذاتها وحسب، وإنّما ينتقد كذلك المنطق الداخلي المتهافت، الكيفي، لدى القائلين بها، فإذا كانت المعجزة هنا نصرًا من اللَّه يجيء في وقت الحاجة إليه، فإن حدوثها في الحالات الأكثر حرجًا وضيقًا أولى من حدوثها في الحالات الأقل حرجًا وضيقًا، ثم يحاول ابن الراوندي أن ينتقد النبي في الفكر والعمل قاصدًا من وراء ذلك إبطال دعواه النبوة) (١).
وهذا كلام جاحد منكر ملحد، اتخذ الدعوى برهانًا، والادعاء دليلًا، وأمثلة السخرية والشك حجة!!، وفرح بها أدونيس وأخرجها من سراديب الإهمال ليبرزها أدلة في كتابه الموضوع لتنظير وتأصيل الحداثة، وهو الكتاب الذي نال به درجة الدكتوراه من جامعة القديس يوسف في بيروت؟!.
(١) الثابت والمتحول ٢ - تاصيل الأصول ٧٥. وما بين الأقواس من كلام ابن الراوندي نقله من كتاب نظيرهما في الزندقة والإلحاد الوجودي عبد الرحمن بدوي، وكتابه هو تاريخ الإلحاد في الإسلام: ص ١٠٥، ١٠٦ - ١٠٧.