للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآن إلى نماذج من الانحرافات في الرواية الحداثية، فمن ذلك قول عبد الرحمن منيف التهكمي الساخر: (من يسمع أن الخوش تتحدث لأول مرة يظنها امرأة شديدة الاتزان، وحين تبدأ برواية قصة سفر ابنها، ترويها وكأنها تعني امرأة أخرى. . . ثم فجأة تتغير لهجتها ونبرة صوتها، تتلفت حولها بفزع تتلمس الأرض كأنها تخاف أن تنفتح فتصرخ بانفعال:

- اسمعوا يا أهل الوادي، المنام ما يكذب، جاءني ثلاثة ملائكة، كانوا في ثياب بيضاء، وقالوا لي: الخوش يكون هنا يوم الخميس، الملاك الكبير له وجه مثل وجه الخوش ويضحك مثله، وكان الصغير بقوة الخوش، والثالث ما شفته لأنه كان يعطيني ظهره) (١).

وهكذا يتم توظيف الجنون والسخرية لتحطيم هذا الركن العظيم وتنزيل درجته إلى حضيض الامتهان.

أمّا الطاهر بن جلون فقد استخدم هذا الأسلوب الساخر التهكمي التدنيسي بصورة مكررة للوصول إلى المقصد نفسه، ومن ذلك قوله في رواية "ليلة القدر" على لسان أحد شخصيات الرواية: (إن الليلة السابعة والعشرين من هذا الشهر مناسبة للحساب وربّما للغفران ولكن بما أن الملائكة سيحضرون معنا لإحلال النظام سأكون حذرًا، أريد إعادة الأمور إلى نصابها قبل أن يتدخلوا فيها، إنهم يعتقدون بأنهم صارمون تحت مظهر رقتهم الظاهرة، إحلال النظام هو بدء الإقرار بالمعصية هذا الوهم الفظ الذي جلب اللعنة على العائلة بأسرها) (٢).

ثم يتحدث عن المؤذن وعن الملائكة فيقول: (اسدلي الستائر، قد ينخفض صوت هذا الغبي الذي ينهق يجب أن يعاش الدين في صمت وتأمل، وليس في هذه الجلبة التي تكدر صفو ملائكة القدر، هل تقدرين


(١) مدن الملح ١/ ٥٧.
(٢) ليلة القدر: ص ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>