للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاريخه وأعيد تركيبه ليلائم حاجات المشروع الاقتحاميّ، وهنا سيتحقق شيء ظل خافيًا أمدًا طويلًا على أذهان المقاومين العرب من إحيائيين وليبراليين ودعاة تقنية، وهو أن الغرب لم تكن وجهته أن يركّب الوجود العربيّ على غرار صورته، وإنما أن يخلق تركيبًا جديدًا. . . إن طموحه هو أن يقيم عالمًا ثالثًا، عالمًا آخر هو غير الغرب وغير الشرق في آن واحد، ومعنى ذلك تأسيس شروط هوية جديدة للجسد المستعمر، هي من صنع هذا الغرب ذاته ولكنها ليست هو. . .) (١).

وهذا الكاتب نفسه يقول في موضع آخر من كتابه عن أسباب النهضة ومقوماتها وأنها (تتمحور حول انفصال لا يقبل الجدل بين قيمتين: القيمة الروحية والقيمة العلمية، أو القيم الايديولوجية والقيم التقنية، فأتيح بهذا الانفصال للمصلح النهضويّ المجال لكي يتحدث عن أسباب التقدم الصناعيّ والتحديث) (٢).

فهذا القول ليس إلّا تقمصًا مزريًا وتقليدًا مكشوفًا للغرب في عقيدته اللادينية التي تفصل الدين عن الدنيا والتحضر والنظم، ولهذا نجد هذا الكاتب يثرب على المسلمين الملتزمين بدينهم تفسيرهم الدينيّ للتخلف والتقدم، ويعتبر ذلك تفسيرًا خارجًا عن المشكلة (٣)، بل لقد اعتبر الإيمان بالقدر خرافة (٤)، والغيبيات من آليات الثقافة الخرافية (٥)، وأن أساسيات الثقافة الموروثة تقف أمام التحرر وتؤدي إلى افتقاد الإنسان حريته وهذه الأساسيات هي اللَّه تعالى والقدر والنظام الإسلامي والحاكم بهذا النظام، والوحي المنزل من اللَّه (٦)، إلى آخر أقاويله الفاسدة.

فإذا كان هذا هو حال من تكشّف له الانحراف الارتمائيّ في أحضان


(١) المصدر السابق: ص ١٢٨.
(٢) المصدر السابق: ص ١١.
(٣) انظر: بحثًا عن الحداثة: ص ٦٣.
(٤) انظر: بحثًا عن الحداثة: ص ٦٦.
(٥) و (٦) انظر: المصدر السابق: ص ٦٦ - ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>