للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الايديولوجيّ" (١) حسب تعبير النص السابق، بل وحتى في الجانب العمليّ السياسيّ، وذلك من طبائع الأمور، فإن من اعتقد عقيدة قوم فلابد أن يحبهم ويجلهم ويعظمهم ويواليهم، وينتمي إليهم عضويًا في السياسة والعمل والنظام، وهذا ما حدث فعلًا عند أتباع الغرب من أبناء المسلمين، فها هو الطهطاوي ركيزة الانطراح الأول والتبعية الأولى كان (إبان احتال الجزائر يقيم في فرنسا، ولم يعتقد أن هناك معنى للقول بأن أوروبا خطر سياسيّ، ذلك أن فرنسا وأوروبا لم تسعيا في نظره وراء القوة السياسية والتوسع بل وراء العلم والتقدم الماديّ. . . فكتب عنها بإعجاب. . . وحين احتلت الجزائر كان الطهطاوي هناك، فلم ينل الحدث إهتمامه وأوجز رؤيته لاحتلال الجزائر بالقول: إن الحرب بين الفرنساوية وأهالي الجزائر إنّما هو مجرد أمور سياسية ومشاحنات تجارات ومعاملات ومشاجرات ومجادلات منشؤها التكبر والتعاظم (٢)،

وأغرب ما في الأمر أن بعض الحداثيين الذين أحسوا بفضاعة الارتماء في أحضان الغرب وخطورة الذوبان وانطماس الهوية الذاتية مع شعورهم هذا وتوصيفهم لهذه المشكلة يصرون أيضًا -في الوقت ذاته- على ضرورة الأخذ عن الغرب، ويهاجمون بشدة ما يسمونه التيار التقليدي السلفيّ، فها هو أحدهم يقول: (إن الاقتحام الاحتلالي للغرب بنظامه الرأسماليّ يفترض تقويض الأبنية من فكرية وسلوكية ومعمارية، ويفترض تهميشًا للوجود الذي تم اقتحامه واكتشافه والتعرف عليه، وسينسب هذا الوجود منذ ذلك الحين بكل ظواهره إلى المركز الغربيّ، وسيمتد معقوليته أو عدم معقوليته من وجهة نظر هذا المركز لا من تركيب داخلي لتاريخه الخاص، لقد انتهك


(١) الايديولوجي نسبة إلى الايديولوجيا، وهي الأحكام والاعتقادات الخاصة بمجتمع ما في لحظة ما، وهي نظام يمتلك منطقه وصرامته ومعاييره وأحكامه، وعلم الايديولوجيا هو علم الأفكار وموضوعه دراسة الأفكار والمعاني وخصائصها وقوانينها والبحث عن أصولها. انظر: المعجم الفلسفي: ص ٢٩، والمفاهيم والألفاظ في الفلسفة الحديثة: ص ١١٣، ومعجم المصطلحات الأدبية المعاصرة: ص ٤١.
(٢) بحثًا عن الحداثة، لمحمد الأسعد: ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>