للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومصطفى صادق الرافعي (١) بتبعية طه حسين للغرب، وأنا لا أبريه من شيء من ذلك لا سيما في شبابه، وهو كداعية حداثة لابد أن يتأثر بالثقافة الغربية ويضعها في مركز القدوة، ولا إشكال في ذلك، لولا أن الكثير من الحداثيين لا يفرقون بين الثقافة الغربية والايديولوجيا الغربية، بين المثقف الغربيّ بنزعته العلمية وأفقه الإنسانيّ الحضاريّ الواسع، وبين المؤدلج الغربيّ الملحق بماكينة الاستعمار،. . . ولم يكن لطه حسين من الوعي السياسيّ ما يمكنه من إدراك هذا الفرق الدقيق بين الايديولوجيا والثقافة في الموقف من أوروبا، ومما يعقد الحال انتماؤه في ذلك الوقت إلى حزب الأحرار الدستوريين وهو حزب موالٍ للإنجليز كان يضم في نفس الوقت عدد (٢) من المثقفين العصريين ممن تعذر عليهم أن يفهموا طبيعة الاستعمار وأهداف الإنجليز في مصر بسبب تعلقهم الساذج بالثقافة الغربية) (٣).

وعلى الرغم مما في هذا النص من مغالطات واضحة، إلّا أن المهم فيه إثبات ما سبق ذكره من أن التبعية الثقافية لدى تلامذة الغرب ليست فقط في المجال الثقافيّ أو النظريّ، بل كان حتى في الجانب الاعتقاديّ


= انتقل من القلمون من أعمال طرابلس الشام إلى مصر سنة ١٣١٥ هـ، ولازم محمد عبده وتتلمذ عليه، بث آراءًا إصلاحية وأصبح مرجع الفتيا، واهتم بالتوفيق بين الشريعة والأوضاع العصرية، ألف تفسيرًا للقرآن ولم يكمله والوحي المحمدي وغيرهما. انظر: الأعلام ٦/ ١٢٦.
(١) هو: مصطفى صادق بن عبدالرزاق بن سعيد بن أحمد الرافعي، أديب العربية غير منازع، ورأس بلغاء العصر، ومقدم المنافحين عن الإسلام إزاء المنحرفين من الأدباء والكتاب، ولد سنة ١٢٩٨ هـ/ ١٨٨٠ م لأسرة مشهورة بالقضاء في مصر، وأصله من طرابلس الشام، شاعر وناثر ونثره أجود من شعره، له مواقف قوية ضد طه حسين وأعداء اللغة والدين، على هنات في بعض كتاباته وسلوكياته، إلّا أنه كان لا يساوم على مبدأ الدين ولا على قضية اللغة العربية، له كتب كثيرة شهيرة كلها تدل على طول باع في اللغة وقدرة عالية على جودة الإنشاء، توفي -رحمه اللَّه- سنة ١٣٥٦ هـ. انظر: الأعلام ٧/ ٢٣٥، وتاريخ الشعر العربي الحديث: ص ١٠٤.
(٢) هكذا والصواب: في الوقت نفسه، وعددًا بالنصب.
(٣) من مقال بعنوان (طه حسين والتعصب الديني) قضايا وشهادات ١/ ٣٣٠ لهادي العلوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>