للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم طالب بعد هذا الخلط قائلًا: (دعونا إذن نعاين كيف نظر علماء المسلمين، من متقدمين ومتأخرين إلى النص ونقارن بين هذه النظرة وما تفرضه علينا الحداثة) (١).

وفي هذا التقسيم بين نظرة علماء المسلمين وأزلام الحداثة اعتراف بالفرق بين الطائفتين، وبين المبدأين، وهو اعتراف تؤكده جميع الأحوال والأقوال والاعتقادات لكل من الفريقين، وقد تحدث عن نظرة علماء المسلمين لنصوص الوحي القائمة على التقديس للوحي، وعصمة المبلغ وصحة التبليغ.

ثم يقول بعد ذلك في جرأة علمانية حداثية معروفة: (لم يتصد العلماء المسلمون إلى قضية صحة الأخبار والنقول على نحو منهجي منظم متجرد) (٢).

وإن تعجب من شيء -أيها القارئ- فاعجب من هذه الدعوى العارية من البرهان، بل المخالفة لكل برهان، فإنه لم يُعرف في تاريخ البشرية جمعاء عناية بالنقل وأسانيده وسائر أحواله مثل عناية المسلمين بذلك، وقد وضعوا لتحري صحة النقل الأصول والقواعد العلمية مما يعتبر مفخرة للبشرية كلها وللمسلمين على وجه الخصوص، وقد اعترف بدقة المناهج الإسلامية، وشدة تحريها في النقل المنصفون من أهل الغرب، الذين يسارع الحداثيون العرب في الحصول على رضاهم.

إن عزيز العظمة يتوارد في طريقته هذه مع الرافضة والملاحدة والزنادقة، ويطابقهم مطابقة النعل للنعل، ولا يستبعد ذلك منه ومن أمثاله، ما دام كلا الفريقين أسقط الإيمان من حسابه وتجرد من دينه، وانحاز إلى الضفة الأخرى يرمي بسهام الهدم والتدمير والرفض والتفجير على كل ما له علاقة بالدين، والعبرة كل العبرة في عقائد هؤلاء التي انحرفت عن الهدى وتلقت مناهج الردى، فكان من أثر ذلك ما كان من انسلاخ عن الدين وتقحم في الأكاذيب


(١) و (٢) المصدر السابق: ص ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>