للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والافتراءات؛ لأن الباطل لايجد أبدًا قوته في ذاته وطبيعته، بل تأتيه القوة من جهة أخرى فتمسكه أن يزول، فإذا تراخت هذه القوة -وهي لا شك متراخية- اضمحل الباطل المستند إليها، أمّا الحق فثابت بطبيعته، قوي بنفسه.

وما نراه من دعاوى الحداثيين والعلمانيين وسائر قطيع المستغربين لا يخرج عن هذا قيد أنملة، وكيف لا وقد وصفهم أصدق القائلين بقوله: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٨)} (١) فالوهن خاصية كل باطل وصلب كل ضلالة، ودليل ذلك من الواقع أننا نرى كل هذا التكالب العلماني الحداثي على الإسلام والقرآن والسنة وسائر قضايا الشريعة والعقيدة، وهو تكالب امتد في الزمان أكثر من قرن ونصف، وعاضدته قوى الكفر وأذيالها كل المعاضدة، ومع ذلك نرى أن الإسلام يقوى وجوده بين المسلمين، ويعود إليه أفراد المسلمين وجماعاتهم، وتتحرك دماء الحمية الإيمانية في عروقهم.

ولو أن كيدًا وجه إلى ملة غير المسلمين لانقرضت وزالت من الوجود، وهذه معجزة الهداية الإيمانية التي أثبتت أن اجتثاث الإسلام لا يُمكن ولا يحصل ولا يتحقق مهما فعل الأعداء، وأقرب مثال على ذلك مافعلته دولة الإلحاد الهالكة دولة الاتحاد السوفيتي في المسلمين في بلاد ما وراء النهر أو ما يطلق عليه في العرف السياسي اليوم "الجمهوريات الإسلامية"، فقد سعى الشيوعيون بكل طاقاتهم لتكفير المسلمين وإخراجهم من دينهم، وبعد سبعين سنة انقشعت غمة الإلحاد، ورأى العالم كله كيف أظهرت هذه الشعوب عودتها إلى دينها واستمساكها بعقيدتها.

وهذا مقتضى التحدي الإلهي للكافرين في قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧)} (٢).


(١) الآية ١٨ من سورة الأنفال.
(٢) الآيتان ٤٦، ٤٧ من سورة إبراهيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>