للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال اللَّه تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (١)، فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه اللَّه بروح الرسالة ونور الإيمان وجعل له نورًا يمشي به في الناس، وأمّا الكافر فميت القلب في الظلمات.

وقد سمى اللَّه رسالته إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام روحًا والروح إذا عدم فقدت الحياة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (٢).

وضرب اللَّه مثلًا للوحي الذي أنزله حياة للقلوب بالماء الذي ينزله من السماء حياة للأرض وبالنار التي يحصل بها النور، وذلك في قوله -جلَّ وعلا-: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧)} (٣)، فشبه سبحانه الرسالة وعلم الأنبياء عليهم السلام بالماء المنزل من السماء؛ لأنه حياة القلوب كما أن بالماء حياة الأبدان، وشبه القلوب بالأودية؛ لأنها محل العلم كما أن الأودية محل الماء.

فالمؤمن هو الذي قبل الهدى والحق والخير الذي جاءت به الرسل من عند اللَّه تعالى فعاش على نور وسعادة بقدر ما أخذ من هذا الهدى، وأمّا الكافر ففي ظلمات الكفر والشرك غير حي إلّا حياة الأجساد التي يشارك فيها الإنسان البهائم.

وقد أرسل اللَّه الرسل وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، وبعثوا جميعًا بالدعوة


(١) الآية ١٢٢ من سورة الأنعام.
(٢) الآية ٥٢ من سورة الشورى.
(٣) الآية ١٧ من سورة الرعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>