للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون مقدمة لغيره من أوجه الانحرافات، ويصح أن يكون نتيجة وغاية لكل ما سبق ذكره من انحرافات في الكتب المنزلة وفي الرسل والرسالات.

أمّا كونه مقدمة فإنهم في سياق عداوتهم للرسل يضعون هذه الدعوى في بداية محاربتهم وجحدهم وتشكيكهم وسخريتهم واستهانتهم بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام.

أمّا كونه غاية ونتيجة فلاريب أن ما سبق ذكره من جحد وتشكيك وتحقير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام يراد منه الوصول إلى هدم مبدأ النبوة ومبدأ الاتباع والطاعة للأنبياء، في مهرجان جاهلي يؤله العقل الكليل ويقدسه، تحت مزاعم أن الرسل والرسالات مضادة للعقل ومناقضة للمصلحة والتقدم والرقي والحضارة، إلى غير ذلك من الدعاوى الباطلة والافتراءات الجاهلة، التي لم تكن وليدة هذا العصر بل هي من قديم، قدم الصراع بين التوحيد والوثنية والحق والباطل والنور والظلام، ألم يقل فرعون عن موسى: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (١)؟، وقال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢)} (٢)؟، وقال كفار قريش عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كما أخبر اللَّه تعالى: {وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)} (٣)، وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)} (٤).

وفرية الكفار أعداء الرسل -وإن تنوعت- واحدة، سواء وصفوا الرسل بالجنون أو بنقصان العقل أو بمضادة العقل أو بمناقضته، قال اللَّه تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي


(١) الآية ٢٦ من سورة غافر.
(٢) الآية ٥٢ من سورة الزخرف.
(٣) الآية ٦ من سورة الحجر.
(٤) الآيات ٣٥ - ٣٧ من سورة الصافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>