للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالضرورة الأفضل، وأن الأسبق هو الأعلم، فالنور العربي واحد أوله، دينيًا، النبوة، وأوله، شعريًا الجاهلية، والأفضلية تتدرج تبعًا لتدرج القرب من الأولية. . .، فكما أن الدين تدين أي تكرار طقسي فإن الشعر هو، كذلك نوع من التمرس بفهم الماضي واستعادته في تكرار طقسي) (١).

ويستمر في هذه الهوابط الفكرية متخذًا من الشعر وسيلة لتمرير إلحاده بالدين، وغاية يعجز عن الوصول إليها أي قول آخر، خاصة عندما يصبح الشعر وفق معاييره الحداثية وملته الإبداعية الابتداعية.

ومن هذا المنطلق أشاد بجبران خليل جبران وامتدح انحرافاته الكثيرة وجعل منه إمامًا يحتذى به ويسير على منواله، ويقتفي أثره، في الوقت الذي يستنكر فيه التقليد والمحاكاة والاحتذاء، ويجعلها من علامات الإستلاب والتخلف، فقد امتدح جبران في ثورته على الشريعة ثم انتقاله إلى الثورة على الأسباب العميقة التي تكمن وراءها، ثم يورد مقطوعة له يستشهد بها على هذه الثورات ثم يعقب عليها قائلًا: (في هذه المقطوعة يسمي اللَّه والأنبياء والفضيلة والآخرة ألفاظًا رتبتها الأجيال الغابرة وهي قائمة بقوة الإستمرار لا بقوة الحقيقة، شأن الزواج الذي هو "عبودية الإنسان لقوة الإستمرار" والتمسك بهذه التقاليد موت والمتمسكون بها أموات، وعلى كل من يريد التحرر منها أن يتحول إلى حفار قبور، لكي يدفن أولًا هذه التقاليد، كمقدمة ضرورية لتحرره) (٢).

وفي موضع آخر يريد أن يشخص مشكلة الحضارة العربية -حسب زعمه- أي أنه يمتلك القدرة على هذا التشخيص، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك، أولًا لموقفه العدائي المكشوف من الإسلام والعربية، وهذا الموقف العدائي الحاقد -الذي لا يشك فيه من له أدنى اطلاع على نتاج أدونيس- لا يجعل أحكامه ولا تشخيصه للمشكلات ولا وصفه للحلول في أي مرتبة من الحيادية أو الموضوعية.


(١) الثابت والمتحول ٣/ ٢٣٧.
(٢) المصدر السابق ٣/ ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>