للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُمكن حصر هذه الإطلاقات الحداثية في اتجاهين أساسيين:

الأول: إطلاق أوصاف وأسماء الرسل على الشعر والشعراء وخاصة الحداثة وأصنامها وطواغيتها.

الثاني: إطلاق أوصاف وأسماء الرسل على من عدا القسم الأول.

فأمَّا الاتجاه الأول فقد أطنبوا فيه وأسهبوا، وقد اقتفوا في ذلك أثر المدرسة الرمزية الغربية التي تبنى أصحابها رفع منزلة الشاعر إلى درجة النبي، وخاصة "رامبو" الذي أطلق لفظ "الشاعر النبي".

يقول مؤلف "في النقد الحديث" في سياق حديثه عن المذهب الرمزي: (وقد ارتفع الشاعر عند الرمزيين إلى منزلة فوق المنزلة التي رفعها إليه الرومانسيون، وأطلق رامبو على الشاعر اسم الشاعر النبي. . . الذي يتمتع بقدرة على أن يرى ما وراء عالم الواقع، وينفذ إلى الجوهر الكامن في عالم المثل.

والشعر إلهام عند بعض الرمزيين يأتي إليهم من غير تدخل منهم فهم مجرد متلقين يسجلون ما يلقى فيهم، وقال أحدهم: "ثمة إله فينا، ونحن متصلون بالسماء: من الأماكن العلوية السماوية يأتي إلهامنا") (١).

وقد ذكر أحد فلاسفة السوريالية أصلًا آخر لهذا الانحراف فقال: (وأعمق ما في الرومنطيقية (٢) مما أثر في السوريالية هو قولها: إن الشاعر نبي، يقرأ نص العالم، ويدرك قوانين الكون الخفية بطريقة حدسية) (٣).

فهذا هو أساس الاتجاه الحداثي المنحرف الذي يطلق اسم النبي ووصف النبوة على الشاعر.

ويصف أحد نقاد الحداثة مقصد هذا الإطلاق، في سياق حديثه عن بقايا صورة الماضي في المتخيل الثقافي العربي، وعد منها "صورة النبي"؛ لأنه يرى أن (النبوة تجمع سلطتي اللغة والسياسة، والشاعر وهو يتملك اللغة


(١) فى النقد الحديث: ص ١٥٢ - ١٥٣.
(٢) سيأتي بيانه: ص ١٥٥٩.
(٣) الصوفية والسوريالية: ص ٢٨، والقول لاندريه بريتون.

<<  <  ج: ص:  >  >>