فها هو بعد التشكيك في اللَّه تعالى، وبعد نظرية الاستبعاد التي ذكرها، يتهكم باللَّه تعالى ويعتبره صاحب طبيعة مسندة إليه من قبل الإسلام؟ أي أنه تعالى ليس له حقيقة وإن افتُرض أنه موجود فوجوده ليس إلّا وصفًا مخترعًا من قبل الدين الإسلاميّ، ثم يوغل في التهكم فيصف اللَّه بأنه "كائن".
وبعضهم قد تجاوز هذا الحد في التهكم والسخرية والإلحاد وتلفظ بكلام عظيم في حق اللَّه تعالى، ولولا أن هذا البحث يتمحور حول إثبات الانحرافات الاعتقادية لدى أصحاب الأدب المعاصر لما جرى نقل هذا الكلام السخيف، على أن ناقل الكفر ليس بكافر، أسأل اللَّه العفو والغفران.
وكما حاول العلماني السالف الذكر أن يربط بين العلمانية ونفي وجود اللَّه، فإن الحداثي -وهو علماني بالتبع- يحاول أن يربط بين ما يسميه الإبداع والإلحاد، ويؤكد أنه لا حداثة ولا إبداع إلّا مع نفي وجود اللَّه -جلَّ وعلا- أو "قتل اللَّه" -سبحانه وتعالى عما يقولون- كما يعبر عن ذلك أدونيس ممتدحًا جبران خليل جبران (١) في كتابه الهدام "المجنون" فيقول: (قلت: إن كتاب جبران هدمي، وهو لذلك يضعنا في مناخ العدمية، نشعر أن الأخلاق والقيم الدينية تهدمت في العالم الذي يسكنه المجنون، لم تعد ثمة غاية ولا اتجاه، ولم يعد ثمة نور يضيء ولا طريق. .
(١) هو: جبران بن خليل جبران بن ميخائيل، ولد عام ١٣١٣ هـ/ ١٨٩٥ م لأسرة لبنانية مارونية، وسافر من صغره إلى بوسطن في أمريكا، وتعرف على ماري هاسكل، فغيرت مجرى حياته، وسافر إلى باريس لتعلّم الرسم على نفقتها، شارك في تأسيس الرابطة القلمية عام ١٣٣٨ هـ/ ١٩٢٠ م في أمريكا وهي التي روجت لكتبه، مات في نيويورك عام ١٣٤٩ هـ/ ١٩٣١ م، يعتبره الحداثيون القائد الأول للاتجاه الحداثيّ بسبب ما لديه من عقائد إلحادية، وشكية، وانحرافات سلوكية مثل الشذوذ الجنسيّ، إضافة إلى غرور شيطانيّ ركبه كان يعتقد معه أنه نبيّ مخلص، ويعتقد أيضًا عقيدة التناسخ، إضافة إلى أنه عند وفاته طلب الكاهن الخوراسغف فرنسيس واكيم راعي كنيسة القديس يوسف المارونية في نيويورك ليموت بين يديه، وجبران مجمع لعقائد متناقضة منحرفة ونموذج للغزو الفكريّ والخلقيّ الموجه ضد البلاد العربية. انظر: تاريخ الشعر العربي الحديث: ص ٢٩٥، وأحاديث عن جبران لرياض حنين، وأضواء جديدة على جبران لتوفيق صايغ، والمرشد لتراجم الكتاب والأدباء: ص ٤٦.