للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونه خالقًا، فجوهر الإنسان هو في أنه كائن خلاق مغير، وجوهر الثقافة بالتالي هو إذن في الإبداع المغير) (١).

ويبحث أدرنيس عن جذور له في الفكر العربيّ فلايجد إلّا ابن الراونديّ (٢) وأضرابه من الزنادقة الملاحدة، فينقل كلامه في معرض تأصيل للحداثة وفي سياق تبجيل وتمجيد للأفكار المتحررة حسب زعمه، ويأتي بأقواله في التهكم بالنبوة والسخرية بالمعجزات والنيل من الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- ثم يقول بعد ذلك: (وابن الراونديّ هنا لا ينتقد المعجزة بذاتها وحسب وإنما ينتقد كذلك المنطق الداخلي المتهافت الكيفيّ لدى القائلين بها. . . وينتهي ابن الراونديّ إلى القول بأن العقل يناقض النبوة، فمن جهة أولى ليس "للخلق أول" والكلام الإنساني حادث، ولا يرجع في أصله إلى الأنبياء، والإنسان هو الذي ابتكر بعقله كل شيء دون حاجة إلى الأنبياء يقول مثلًا: "إن الكلام مستملى عن الوالدين صاعدًا قرنًا فقرنًا إلى ما لا نهاية له فليس للخلق أول) (٣).

ثم يمزج أدونيس إلحاده في خليط خبيث بين الصوفية الفلسفية والسورياليّة (٤) فيقول: (. . . فمن الصحيح القول ليس للَّه بالمعنى الدينيّ


(١) الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ٢٤٨.
(٢) هو: أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الراونديّ، من سكان بغداد وأصله من أصبهان، قيل: كان والده يهوديًا فأسلم، فيلسوف مجاهر بالإلحاد، جاحد للنبوة والمعاد، أحد مشاهير الزنادقة الذين أولع بهم أهل الحداثة وخاصة أدونيس في كتابه الثابت والمتحول ١/ ٧٤ - ٧٧، ٢٣٥، لما جاهر ابن الراونديّ بإلحاده طلبه السلطان في زمانه فهرب ولجأ إلى ابن لاوي اليهوديّ في الأهواز وصنف له كتاب الدامغ للقرآن، ووضع كتبًا في نفي وجود اللَّه وتصحيح مذهب الدهرية، قيل مات، وقيل صلبه أحد السلاطين في بغداد سنة ٢٩٨ هـ. انظر: الأعلام ١/ ٢٦٧، وسير أعلام النبلاء ١٤/ ٥٩.
(٣) الثابت والمتحول ٢ - تأصيل الأصول أدونيس: ص ٧٥. والكلام بين الأقواس الداخلية نقله أدونيس من كلام صنوه ابن الراونديّ.
(٤) السوريالية مذهب في الفن والأدب يذهب إلى ما فوق الواقع، ويعول على إبراز الأحوال اللاشعورية، ويؤكد على الجوانب اللاعقلية في الوجود الإنسانيّ، وتعنى فوق =

<<  <  ج: ص:  >  >>