للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقِيمٍ (٧٦)} (١)، وقال تعالى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}) (٢) (٣) وقد كانوا يرونها، وكيف لا يرى الإنسالن بلدًا كاملًا وقد دمره اللَّه، وهو يمر عليه ذهابًا وإيابًا غدوة وعشية؟ ولكنهم لم يستنتجوا من رؤيتهم لها العبرة التي ينبغي أدن تستخلص؛ لأدن تصورهم وعقيدتهم المبنية على جحد الآخرة والبعث تمنعهم من الاستنتاج الصحيح وتصدهم عن العبرة الواجبة، وتقف بهم عقولهم الضعيفة الكليلة عند حدود الظاهر والرؤية الحسية البهيمية، كما أخبر اللَّه عنهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} (٤).

والمثقفون في الغرب كله بشقيه -إلّا قلة قليلة منهم- مأخوذون بهذه النظرة ومنجذبودن إليهما ودائرودن في فلكها، وكذلك الذين ساروا على نهجهم من تلامذتهم المستغربين من أبناء المسلمين، وإن كانوا على درجات متفاوتة في اعتناقهم لهذه الفلسفة المادية الإلحادية، ولكنهم في الجملة لا يخرجون عن هذا الإطار.

ومن أكبر الأمثلة على ذلك ما نجده في أدبياتهم التي يطلق عليها اسم "الحداثة" والتي تعتبر عندهم -وهي كذلك في الواقع- تعبيرًا أدبيًا عن العلمانية، وواجهة ثقافية لها.

وتظهر معالم هذا الانحراف في جحدهم لليوم الآخر وما وراءه، واعتبار الموت فناءً مطلقًا لا حياة بعده ولا بعث ولا نشور، والقول بأبدية الدنيا إمّا على طريقة الدهريين، وإمّا باعتقاد تناسخ الأرواح، وفي تضاعيف ذلك سخرية باليوم الآخر وما يحصل فيه، وهنا أورد بعض الشواهد على هذه الأمور من كلامهم:


(١) الآية ٧٦ من سورة الحجر.
(٢) الآية ٧٩ من سورة الحجر.
(٣) تفسير ابن كثير ٥/ ١٥٣.
(٤) الآية ٧ من سورة الروم.

<<  <  ج: ص:  >  >>