للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الصنف هو أخبث الأصناف وأشدها ضررًا؛ لأنهم يتلبسون بالدين، ويستخدمون آلته في محاولة هدمه وتخريبه، تحت مسميات التحرر الفكري، والمسايرة للعصر، والنظرة التنويرية للنصوص، والتجديد للفهم وتجاوز العقليات الجامدة والتفسيرات السلفية الثابتة، وتقويب الإسلام من روح العصر، وعقلنة الدين وعلمنة الشريعة، إلى آخر دعاوى الأدعياء الذين يصدق عليهم قول اللَّه تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (١).

وللمتأمل في أصحاب الضلالات المعاصرين وما هم فيه من تخبط وتيه، أوسع المدى في تفسير ظواهر هذا التخبط، وتحليل أسبابه، وكشف دواعية، من خلال التأمل في نصوص الوحي العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- ما نحن في صدده في هذا الفصل: أن التصور والاعتقاد المبني على إنكار الآخرة والبعث يغطي على العقول، ويغلف الألباب بغلاف المادية الدنيوية القاحلة، ويجعل معتقده يمر على العظات والعبر والدلائل الكونية والتاريخية والاجتماعية مرور الأبلة المعتوه، والغافل المشدوه، وهذه الحقيقة هي المذكورة في قول اللَّه العظم: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (٤٠)} (٢).

لقد كان كفار مكة وغيرهم يمرون على (قرية قوم لوط وهي سدوم التي أهلكها اللَّه بقلبها وبإمطارها بحجارة من سجيل، كما قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣)} (٣)، وقال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)} (٤)، وقال تعالى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ


(١) الآية ٤ من سورة المنافقون.
(٢) الآية ٤٠ من سورة الفرقان.
(٣) الآية ١٧٣ من سورة الشعراء.
(٤) الآيتان ١٣٧ - ١٣٨ من سورة الصافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>