واحد وإن تغيرت العبارات وتنوعت الأشكال وتعددت الأساليب، وهذا مصداق المقولة المشهورة "الكفر ملة واحدة".
وفي مجال تقرير أدونيس لعقائده الحداثية الكفرية يطرح أوهامه الإلحادية على أساس أنها مقررات ثابتة قطعية، ومن ذلك أنه في معرض حديثه عن ما يسميه التخلف العربي، وعيوب المجتمع العربي، جعل من علامات وأسباب التخلف عندهم: إيمانهم بالآخرة، وذلك في قوله:(ويبدو كأن المجتمع العربي لا يتغير، بل يتراكم، كأنه مجتمع الثبات لا التغير: يؤمن بالأبدية لا بالزمان، وبالآخرة لا بالدنيا)(١).
ومع كون القضية على عكس ما يدعيه هذا الباطني الحداثي فإن العرب لم يكن لهم أي شأن بين الأمم إلّا بعد أن جاء الإسلام، ولم يتحقق لهم ما تحقق من حضارة ونصر وفتح وسيادة على الدنيا إلّا لما آمنوا باللَّه تعالى وباليوم الآخر، ولم ينحدروا ويهبطوا وتتلاشى قوتهم وتذهب هيبتهم إلّا عندما قل إيمانهم باللَّه وضعف يقينهم باليوم الآخر، واستسلموا للدنيا يرتعون ويتنافسون فيها كما تنافس فيها الذين أهلكهم اللَّه من قبل فوقع بهم ما وقع.
وفي ربط بين هذه الدعاوى الإلحادية والشعر الحديث يأبى أدونيس -كعادته- إلّا أن يجعل الزائف حقيقة والحقيقة زيفًا، والحسن قبيحًا والقبيح حسنًا، ويتلاعب بعقول أتباعه، وذلك في سياق تبريره ودفاعه عن غموض الشعر الحديث، والذي هو في الحقيقة لون من ألوان الغموض الباطني كما سبق بيانه وتأكيده بالشواهد من أقوال أدونيس وغيره.
يقول أدونيس: (كان الشاعر العربي القديم يعيش في عالم واضح منظم: كل شيء فيه مفسر، محدد، بدءًا من كيفية غسل اليدين والقدمين وانتهاءًا بما سيحدث للإنسان في الآخرة، وكان هذا العالم يقوم على حقائق مطلقة نهائية وعلى إيمان راسخ بها، كانت بنيته عقلية -ذهنية، لا نفسية- انفعالية، بل كان العالم النفسي الحميم، مكبوتًا مقموعًا، لهذا كان الشاعر