للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مباشر، أو مداور، إن غايتي هي التوكيد على أن في الوجود جانبًا باطنًا لا مرئيًا مجهولًا، وأن معرفته لا تتم بالطرق المنطقية العقلانية، وأن الإنسان دونه محاولة الوصول إليه كائن ناقص الوجود والمعرفة وأن الطرق إليه خاصة وشخصية، وأننا نجد استنادًا إلى ذلك قرابات وتآلفات بين جميع الاتجاهات التي تحاول أن تستشرف هذا الغيب. . .) (١).

ولم يبق لأدونيس إلّا أن يكشف السجف الرقيق المتبقي خلف هذه العبارات ويقول صراحة بباطنيته ونصيريته، ولولا خشية الاستطراد والخروج عن حدود هذا الفصل لذكرت بتفصيل موثق أن أدونيس في حداثته باطني وفي علمانيته نصيريّ، وفي إبداعه قرمطيّ، وأنه لا يعدو قدره وإن تطاول.

أمّا ما أشار إليه في النص السابق من أن اللَّه تعالى ليس الواحد الذي يخلق الوجود من خارج وإنّما هو الوجود نفسه، فهو مذهب وحدة الوجود بمضمونه الغربيّ، وهو مضمون إلحاديّ بحت، وقد جاء تفسيره في المعاجم الفلسفية بأنه: (. . . تغليب فكرة العالم فلا يسلم إلّا بوجوده ويرد كل شيء إلى المادة فهي حية بذاتها، وعنها نشأت الكائنات جميعها، وهذه وحدة مادية. . . ولم يخل هذا المذهب من نقد لما فيه من إلحاد. . .) (٢).

ومذهب وحدة الوجود: (تعاليم فلسفية تذهب إلى أن اللَّه مبدأ لا شخصي ليس خارج الطبيعة ولكنه متوحد معها، ومذهب وحدة الوجود يبث اللَّه في الطبيعة ويرفض العنصر الخارق للطبيعة. . .) (٣).

وحين نتعقب كلام أدونيس في كتاب الصوفية والسوريالية فإننا نجده يدور حول هذه المفاهيم بخلفية باطنية وشكوك إلحادية.

فها هو يبتهج بالنتيجة الهائلة التي وصل إليها؛ لأنها تطابق معتقده وتوافق مقصده في هدم الدين، وذلك حين يقول في معرض التوافق


(١) المصدر السابق: ص ١٥.
(٢) المعجم الفلسفي من إصدار مجمع اللغة العربية في مصر: ص ٢١٢، وفيه أن من شخصيات هذا المذهب ديدرو وهولباخ.
(٣) الموسوعة الفلسفية لأكادميين سوفييت: ص ٥٨٠، وفيه أن من فلاسفة هذا المذهب برونو، وبصفة خاصة سبينوزا.

<<  <  ج: ص:  >  >>